الكاتب : وائل ونيفي
صحفي متخصص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
منذ تفعيل الفصل 80 من الدستور وما تبعه من إجراءات أعلنها رئيس الجمهورية تقضي بإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، تعيش تونس على وقع قراءات مختلفة حول ما سيؤول إليه المشهد السياسي في البلاد.
تقودنا الوقائع في تونس خلال هذه الفترة إلى عدّة سيناريوهات ممكنة خاصة وأن الإجراءات الاستثنائية رافقها بدء التحقيق فيما توصلت إليه محكمة المحاسبات من مؤيدات حول تمويلات أجنبية متعلقة بالحملات الانتخابية لعدد من القائمات التشريعية والمترشحين لرئاسيات 2019 أبرزها قائمات حركة النهضة وقلب تونس و”عيش تونسي” والمترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة نبيل القروي.
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي متخصص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
منذ تفعيل الفصل 80 من الدستور وما تبعه من إجراءات أعلنها رئيس الجمهورية تقضي بإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، تعيش تونس على وقع قراءات مختلفة حول ما سيؤول إليه المشهد السياسي في البلاد.
تقودنا الوقائع في تونس خلال هذه الفترة إلى عدّة سيناريوهات ممكنة خاصة وأن الإجراءات الاستثنائية رافقها بدء التحقيق فيما توصلت إليه محكمة المحاسبات من مؤيدات حول تمويلات أجنبية متعلقة بالحملات الانتخابية لعدد من القائمات التشريعية والمترشحين لرئاسيات 2019 أبرزها قائمات حركة النهضة وقلب تونس و”عيش تونسي” والمترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة نبيل القروي.
تحقيقات يرى جلّ المتابعين للشأن العام في تونس و بالاعتماد على تقرير المحكمة أنها ستنتهي قطعا بأحكام قضائية تسقط قائمات تشريعية لكتل وازنة في البرلمان بما من شأنه أن يخلق مشهدا سياسيا مغايرا تماما للمشهد الحالي. كما أنه ليس من المستبعد أن يستقيل عدد آخر من النواب لإخراج البلاد من مأزقها السياسي وقطع الطريق أمام محاولات عودة برلمان أنهك مؤسسات الدولة إلى سالف نشاطه.
لكن تحقيق هذا المسار وإسقاط عضوية عدد واسع من النواب المنتمين لتلك القائمات المشتبه فيها، سيأخذ وقتا طويلا بحسب مختصين فضلا عن إلزامية مرورها بدرجات التقاضي الثلاث حتى تكون الأحكام باتة لا يمكن نقضها.
من الواضح أن المشهد سيبقى ضبابيا خاصة في علاقة بما سيقرره الرئيس قيس سعيد صاحب النفوذ القوي في السلطة حاليا وهو ما يصعب معه التكهن بالسيناريو الأقرب الذي قد تذهب فيه تونس في قادم الأسابيع والأشهر والذي سيرسم بشكل ما مستقبل العمل السياسي في تونس.
لم تجد إجراءات الرئيس سعيّد التي اتخذها يوم 25 جويلية المنقضي رفضا دوليا ولا محليا كبيرا يذكر، إلا أن المواقف في أغلبها امتنعت عن منح صك على بياض لرئيس الجمهورية، حيث اختلف الكثيرون حول تأويل الفصل 80 من الدستور في حين اجتمعوا على ضرورة وضع حدّ لتدحرج الدولة نحو انهيار مؤسساتها على أكثر من صعيد بسبب الفساد السياسي والمالي والاداري والاقتصادي المستشري.
نحاول في هذا المقال شرح السيناريوهات الممكنة التي قد تعيشها البلاد على ضوء تفعيل إجراءات الفصل 80 من الدستور و تجميد عمل البرلمان.
السيناريو الأوّل
السيناريو الأوّل
الحكومة والبرلمان .. خطر داهم
لا يمكن تفسير السيناريوهات الممكنة التي قد تذهب فيها البلاد إلا بفهم تأويل رئيس الجمهورية للفصل 80 من الدستور والذي كان قد جوبه بنقد واسع من عدد من المختصين في المجال على غرار أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور والجمعية التونسية للقانون الدستوري والتي كان رئيس الجمهورية نائب رئيسها في وقت سابق.
أمين محفوظ، أستاذ القانون الدستوري، كان من المتفقين مع تأويل رئيس الجمهورية للفصل المذكور، حيث دوّن سابقا على صفحته بموقع التواصل الإجتماعي فايسبوك، نصا انتقد فيه معارضي تأويل رئيس الجمهورية قائلا:
على من لم يعجبه تأويل رئيس الجمهورية للفصل 80 أن يتوجه إلى المحكمة الدستورية كما ينص على ذلك الفصل الذي وضعوه
بعد الهدوء النسبي للجو العام واستيعاب جملة الإجراءات التي أعلنها سعيّد مساء يوم 25 جويلية من السنة الجارية، أصبح هناك إجماع لدى عدد من أساتذة القانون الدستوري والمهتمين بالشأن العام، رغم اختلاف توجهاتهم وقراءاتهم، على أن تأويل رئيس الجمهورية للفصل 80 جاء بناء على اعتبار الخطر الداهم متأتيا أساسا من البرلمان ومن الحكومة المعفاة، حكومة هشام المشيشي، وهو ما ترجحه جملة من التقارير التي أكدت أن إدارة الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 كانت سيئة إلى أبعد الحدود حيث شارفت المنظومة الصحية على الانهيار، إضافة إلى أزمة اقتصادية واجتماعية بلغت أشدها، إلى جانب تمرير قوانين من شأنها زيادة الوضع الاقتصادي تعقيدا والإنذار بمستقبل غامض وخطير.
سلوى الحمروني، أستاذة القانون الدستوري، في حوارها مع موقع الكتيبة اعتبرت أنّ كل الظروف التي عرفتها تونس من بداية سنة 2020 إلى اليوم كانت ملائمة لتفعيل الفصل 80 من الدستور رغم اختلافها في القراءة القانونية والفلسفية له مع رئيس الجمهورية.
الوضع السياسي والمؤسساتي قبل 25 جويلية كان يحتم على رئيس الجمهورية تفعيل الفصل 80 وغياب المحكمة الدستورية يجعلنا ندور في حلقة مفرغة. إذا كان البرلمان سيعود إلى سالف نشاطه وبنفس التركيبة التي كان عليها لماذا إذن فعل رئيس الجمهورية الفصل 80 من الدستور؟
سلوى الحمروني
تقول أستاذة القانون الدستوري إن الحل لا يمكن أن يكون دستوريا في غياب المحكمة الدستورية التي تعتبر الوحيدة المخوّل لها البت في المسائل الخلافية في علاقة بتأويل تلك الفصول، لكنها تدعو في ذات الوقت إلى ضرورة التمسك بحدّ أدنى من الشرعية الدستورية والقانونية خلال هذه الفترة الانتقالية.
وتردف الحمروني بالقول إنه وفي غياب المحكمة الدستورية يبقى رئيس الجمهورية هو الوحيد الذي يحتكر تأويل فصول الدستور بما يعني أن إمكانية عودة البرلمان بمشهده الحالي لسالف نشاطه تعد أمرا مستبعدا إن لم يكن أمرا مستحيلا.
بات من الواضح أن رئيس الجمهورية يتجه بشكل ثابت نحو مواصلة العمل بالإجراءات الإستثنائية إلى حد زوال أسبابها أي حتى يتغير المشهد السياسي داخل البرلمان المجمد الذي يعتبره قيس سعيد مصدر حالة عدم الاستقرار والخطر الداهم المحدق بتونس والذي عطّل سير دواليب مؤسساتها.
تنظيم مؤقت للسلط .. قفزة نحو التأسيس الجديد
من بين الذين انتقدوا التأويل الواسع لرئيس الجمهورية للفصل 80 من الدستور، نجد القاضي السابق والمحامي أحمد صواب الذي اعتبر في حوار صحفي مع جريدة الشارع المغاربي أن رئيس الجمهورية يتجه نحو إعلان نظام سلط مؤقت وتعليق العمل بالدستور الحالي.
ويبني صواب تحليله على ضوء خطوات رئيس الجمهورية التي أصبحت بحسب رأيه واضحة وتحمل في طياتها نزعة فردانية معادية للمنظومة القائمة أي المنظومة الحزبية، مشيرا إلى أن الحشد الشعبي معه في هذه الخطوات وهو ما سيمكنه من فرض نظام سلط مؤقت والتوجه نحو بناء جمهورية ثالثة قائمة على نظام حكم رئاسي وبذلك يعلن وفاة الجمهورية الثانية.
فرضية قيام نظام مؤقت للسلط لم تعد بالأمر المستبعد خاصة وأنها متداولة في كواليس قصر قرطاج ومحل مطالبات عدد من الشخصيات على غرار أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ الذي يرى أن دستور 27 جانفي 2014 أثبت محدوديته ولا يمكن مواصلة العمل به ضمانا لاستقرار البلاد وأمنها بحسب تصريح له في إذاعة شمس أف أم الأسبوع المنقضي.
ما يعزز هذه الأطروحة، كلمة قيس سعيّد التي توجه بها إلى الرأي العام لدى استقباله مدير عام الديوان الوطني للحبوب والتي شدّد فيها على أنه لا مجال للعودة إلى الوراء رافعا شعار “خبز وماء ولا مجال للرجوع إلى الوراء”، أي أن إمكانية مواصلة العمل دون برلمان مسألة واردة، ويتضح ذلك أكثر بامتناع رئيس الجمهورية عن استقبال أي ممثل عن أي حزب سياسي حتى من الذين اتفقوا معه في تأويله للنص الدستوري منذ يوم تفعيل الإجراءات الاستثنائية.
حلّ البرلمان كخيار قد ينتهجه الرئيس التونسي يزداد واقعية مع جملة القضايا التي تلاحق عددا لا بأس به من النواب المجمّدين بعد قرار رفع الحصانة عنهم، إضافة إلى إجراءات احترازية إدارية وأمنية أخرى تقضي بمنع سفر رجال سياسة من بينهم نواب بالبرلمان وقادة أحزاب سياسية ورجال أعمال ومحامين وقضاة، مع الإشارة إلى وجود حركة غير مسبوقة بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي الذي أصدر مؤخرا حزمة من القرارات القضائية تقضي بمنع سفر عدد من كبار المسؤولين.
مستقبل البرلمان.. جوهر الرهان
رئيس الجمهورية قيس سعيّد كان قد كرّر في أكثر من مناسبة أنه يعمل في نطاق الدستور وأن الحل سيكون في إطار الدستور الحالي. هذا التأكيد يحيلنا إلى أن هناك أكثر من مخرج قانوني ودستوري قد يتجه نحوه رئيس الجمهورية للحيلولة دون عودة الوضع على ما كان عليه قبل 25 جويلية من سنة 2021، خاصة أنه في وضعية الوحيد المحتكر لتأويل الدستور والمتمتع بسلطة تقديرية واسعة، إضافة إلى تجميع السلط الثلاث بيده طيلة فترة الإجراءات الاستثنائية.
تطرح مسألة عودة البرلمان جدلا واسعا لدى الرأي العام التونسي بين داع لعودته، ومؤيّد لعودته بعد تغيير تركيبته أو الذهاب في اتجاه حلّه وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة وهو ما سيؤدي ربما إلى اعتماد نظام مؤقت للسلط كالذي عرفناه بُعيد ثورة 14 جانفي 2011.
الأرجح هنا، بحسب ما هو متوفر من معلومات، أن التسريع في الفصل في القضايا المتعلّقة بالتمويل الأجنبي لأحزاب سياسية رافق الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة سيكون محددا في مستقبل المشهد البرلماني والسياسي عموما، خاصة وأن العقوبات المستوجبة في صورة صدور أحكام بإدانة هذه الأحزاب ستقضي بإسقاط القائمات النيابية لتلك الأحزاب من البرلمان وعقوبات سجنية للمترشحين للانتخابات الرئاسية، كما ينص عليه الفصل 163 من القانون الانتخابي:
“مع مراعاة مقتضيات الفصل 80، إذا ثبت لمحكمة المحاسبات أنّ المترشّح أو القائمة قد تحصّلت على تمويل أجنبي لحملتها الانتخابية فإنّها تحكم بالزامها بدفع خطية ماليّة تتراوح بين عشرة أضعاف وخمسين ضعفاً لمقدار قيمة التمويل الأجنبي.
ويفقد أعضاء القائمة المتمتّعة بالتمويل الأجنبي عضويتهم بمجلس نواب الشعب ويعاقب المترشّح لرئاسة الجمهورية المتمتّع بالتمويل الأجنبي بالسجن لمدّة خمس سنوات.
ويُحرم كل من تمّت إدانته بالحصول على تمويل أجنبي لحملته الانتخابية من أعضاء قائمات أو مترشّحين من الترشّح في الانتخابات التشريعية والرئاسية الموالية.”
هذه العقوبات المنصوص عليها بالفصل المشار إليه لا يمكن تفعيلها بشكل آلي في صورة اعتماد مسار قضائي عادي يمرّ بدرجات التقاضي الثلاث وهو ما يستغرق زمنا قضائيا طويلا، وقد يدفع برئيس الجمهورية إلى التوجه نحو حسم الأمر سياسيا في انتظار حسمه قضائيا.
تثير الأستاذة سلوى الحمروني إشكالية بناء مشهد برلماني جديد على أنقاض انتخابات 2019 في حال تم إسقاط قائمات برمتها. وتفسر أن القانون الانتخابي لم يتعرّض لهذه المسألة بتاتا وإنما يتحدّث فقط عن انتخابات جزئية يمكن تنظيمها في وضعيات استثنائية. وتقول الحمروني إن هيئة الإنتخابات فاقدة للشرعية اليوم بعد نهاية المدّة النيابية لأعضائها من ذلك رئيسها الذي كان قد اتخذ موقفا سياسيا أدان فيه قرار رئيس الجمهورية بتجميد البرلمان، مما وضعه في موضع يمس من استقلاليته وحياده تجاه الأطراف السياسية.
وأمام حالة العطالة أو عدم الوجود الفعلي لعدّة مؤسسات دستورية كالمحكمة الدستورية وانتهاء ولاية أعضاء الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات وما بنى عليه رئيس الجمهورية تأويله للفصل 80 من الدستور من أن الخطر وتعطل سير دواليب الدولة مأتاهما البرلمان المجمّد والحكومة المُعفاة، يرى عدد من السياسيين أن الحل لا يمكن أن يكون في إطار الدستور استنادا إلى جملة هذه العراقيل، إضافة إلى استحالة إيجاد حلول من داخل الدستور نفسه.
المحلل السياسي وأستاذ التاريخ المعاصر عبد اللطيف الحناشي يرى من جهته أن المسار ومنذ بدايته كان سياسيا وليس دستوريا فحسب، مذكرا بتهديدات رئيس الجمهورية طيلة أشهر من أنه قد يلجأ إلى حلول لا يرغب في اللجوء إليها ومن أنها حلول كالصواريخ المجهزة على منصاتها.
ويعتبر الحناشي أن اختيار رئيس الجمهورية تفعيل الفصل 80 من الدستور كان حلا أخيرا له للقطع مع حالة العبث التي عاشتها تونس منذ سنوات وليس فقط في السنة الأخيرة والتي باتت تهدد بشكل واضح مؤسسات الدولة واستقرار الوطن خاصة خلال فترة حكومة هشام المشيشي وما ترتب عن ذلك من احتدام الصراع بين مؤسسة رئاسة الجمهورية والبرلمان الذي كان فسيفسائيا وبه تناقضات كبيرة يصعب معها العمل بشكل عادي.
السيناريو الثاني
السيناريو الثاني
الطريق الصعب نحو الجمهورية الثالثة
أطلق عدد من قادة الأحزاب السياسية دعوة إلى تنظيم حوار سياسي يكون على ضوء خارطة طريق يرسمها رئيس الجمهورية تفضي في نهاية المطاف إلى تجاوز الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد. هذه الدعوة تشترك فيها حركة النهضة التي اشترطت ضرورة عودة البرلمان للعمل والعودة إلى ما وصفته بالشرعية الانتخابية.
بيد أن الأمر لا يبدو بهذه السهولة بعد خطوات رئيس الجمهورية في فرض الإقامة الجبرية على القيادي بحركة النهضة أنور معروف واتّخاذه إجراءات إدارية تحفظية ضدّ آخرين من حركة النهضة ومن غير حركة النهضة، بما يُفسر أنها خطوات حثيثة من رئيس الجمهورية لحسم ملف الحركة سياسيا في ثلاثة مستويات: مستوى أوّل يتعلق بالملفات القضائية من ذلك تقرير محكمة المحاسبات، ومستوى ثان يتعلّق بالأمن القومي خاصة بعد وضع القاضي بشير العكرمي المحسوب على الحركة والمتعهد بجملة من الملفات الإرهابية، من بينها قضيتَا اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي وملف الجهاز السري لحركة النهضة، قيد الإقامة الجبرية وهي خطوات تنذر بانطلاق مسار المستوى الثالث الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الحسم كليا في ملف الحركة الإسلامية في تونس لدى الرأي العام.
و لتجنب انزلاقات قد تذهب فيها البلاد في صورة المضي في السيناريو الأوّل، تدعو هذه الشخصيات السياسية والحزبية إلى ضرورة الانطلاق في حوار سياسي يؤدي إلى تغيير المشهد السياسي وقوانين اللعبة الديمقراطية في تونس بما يكرّس رؤية واضحة ويضع حدا لتشتت المسؤوليات والمؤسسات بحسب هؤلاء.
أستاذ التاريخ المعاصر عبد اللطيف الحناشي يقول إن عودة البرلمان بالشكل الذي كان عليه أمر مستحيل وهو قرار سياسي قبل أن يكون مسألة دستورية، مضيفا أنه يصعب التكهن بما سيذهب إليه رئيس الجمهورية الذي يعمل منفردا ولم تتضح بعد رؤيته.
ويضيف الحناشي أنه بات واضحا من خطوات رئيس الجمهورية شروعه في اختيار أعضاء الحكومة قبل اختيار رئيسها وهو ما يعني أن رئيس الحكومة القادم سيجد نفسه أمام أمر واقع لا خيار له فيه.
وكان رئيس الجمهورية قد أعاد الحديث عن حوار وطني سيتم عقده، لكنه حوار سيكون دون من وصفهم بـ”خلايا سرطانية” و”الفاسدين”، في إشارة إلى بيان مجلس شورى حركة النهضة الداعي إلى ضرورة العودة إلى المسار الديمقراطي وإنهاء الحالة الاستثنائية والجلوس إلى طاولة الحوار، وكذلك حزب قلب تونس ورئيسه نبيل القروي وكل من لف لف هذين الطرفين السياسين لاسيما ائتلاف الكرامة.
طرح مسألة الحوار الوطني على شاكلة سابقيه من الحوارات رفَضه الإتحاد العام التونسي للشغل نفسه الذي كان قد بادر في وقت سابق بتنظيم حوار وطني جامع وواسع قبل أن تفشل محاولاته في ذلك، واليوم أصبح موقف الاتحاد واضحا من مسألة الحوار أين أشار في لائحة هيئته الإدارية الموسعة المجتمعة في 03 أوت من السنة الجارية إلى أنه يساند قرارات رئيس الجمهورية وهو في انتظار خارطة طريق حتى يتسنى له التفاعل معها.
وتجدر الإشارة بالتذكير إلى أن الإتحاد العام التونسي للشغل كان قد مضى في وقت سابق إلى اقتراح خارطة طريق حتى يستأنس بها رئيس الجمهورية على حدّ تعبير أمين عامه المساعد سامي الطاهري، قبل أن يتم حجب هذا المقترح واستبداله بموقف آخر ينتظر أن تتضح رؤية رئيس الجمهورية وتركيبة الحكومة المزمع تشكيلها حتى يتم التفاعل معها.
وكان رئيس الجمهورية قد أعرب إلى عدد من رؤساء الدول الأجنبية عن قرب افصاحه عن خارطة طريق لتجاوز الأزمة الدستورية والسياسية في تونس، لعل أبرزها الاتصال الهاتفي الأخير التي جرى بينه وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول مستجدات الوضع في تونس أين أبدى هذا الأخير تفهّما لقرارات رئيس الجمهورية وأعرب عن دعمه لتونس و”مشروعية” طلبات شبعها.
التكهن بشكل الحوار الوطني الذي يرغب رئيس الجمهورية في تنظيمه يبدو أمرا صعبا خاصة وأنه من الواضح من خلال كلماته المتكررة والموجهة إلى الرأي العام رفضه الحوار مع حركة النهضة وحلفائها في البرلمان. وللتذكير فإنّ رئيس الجمهورية كان قد استقبل في اليوم الموالي من إعلانه تفعيل الفصل 80 الدستور ممثلي المنظمات الوطنية في إشارة منه إلى أن خارطة الطريق التي سيفصح عنها ستأخذ بعين الاعتبار الدور الوطني لتلك المنظمات.
السيناريو الثالث
السيناريو الثالث
خيار الشارع وسيناريو الفوضى
بمجرد إعلان رئيس الجمهورية تفعيل الفصل 80 يوم 25 جويلية من السنة الجارية، حتى سارعت حركة النهضة الى اعتبار الخطوة انقلابا على الدستور يقوده رئيس الجمهورية، خاصة بعد تطويق مبنى البرلمان من طرف وحدات عسكرية ومنع الولوج إلى داخله.
هذه الخطوة الرئاسية كانت بمثابة الزلزال الذي ضرب حركة النهضة وجعل مواقف قياداتها تعرف تناقضا واسعا لكنها في المجمل تجمع أغلبها في رفض الطريقة التي انتهجتها مؤسسة الرئاسة في قلب موازين القوى وسد الأبواب أمام الحركة للمشاركة في الفعل السياسي في فترة ما بعد 25 جويلية.
الأستاذ عبد اللطيف الحناشي لا يستبعد إمكانية لعب حركة النهضة ورقة الشارع في محاولة إلى فرض مسار الحوار بالقوّة إذا ما واصل رئيس الجمهورية انتهاج مسار حسم ملف الحركة وعلاقاتها وتمويلاتها.
بيان شورى النهضة الأخير وإن خفف نسبيا من اللهجة المعتمدة تجاه قرارات الرئيس، إلا أنه يتضمن دعوة صريحة للاستعداد للدفاع عن الشرعية الانتخابية
عبد اللطيف الحناشي
مجلس شورى النهضة عرف في آخر اجتماعاته صراعا محتدما بين أعضائه وصل حدّ انسحاب بعضهم وتبرئهم مما يصدر عنه من قرارات، وهو ما قد يدفع بانفلات في صفوف قواعد الحركة الذين قد يسلكون مسلك المواجهة على ضوء قرارات فردية، أو بإيعاز من عدد من الخلايا والقيادات النهضوية أو ربما دعوة رسمية من قيادة الحركة للنزول إلى الشارع والتظاهر دفاعا عن دستور 2014 والتصدي لإجراءات الرئيس سعيّد.
ويذكّر الحناشي بتصريحات سابقة لعدد من وزراء الداخلية بشأن منع أكثر من 27 ألف شاب تونسي من السفر إلى سوريا والعراق سنوات 2014 و2015، وهو ما يرى فيه إمكانية لحصول تقاطعات بين هؤلاء الشباب الحاملين للفكر السلفي الجهادي والقواعد المتشددة لحركة النهضة.
فرضية المواجهة وفوضى الشارع قد تتعزز بمدى مضي رئيس الجمهورية في تشديد الخناق على عدد من رجال الأعمال الفاسدين ولوبيات السوق السوداء وبارونات التهريب التي ستحاول أن تنتفض لفك هذا الحصار عبر نشر الفوضى والتحالف مع أي كان بغية إبقاء الحال على ما هو عليه، بحسب تحليل الأستاذ الحناشي.
مرّ على إعلان 25 جويلية 2021 قرابة ثلاثة أسابيع كانت فيها خطوات رئيس الجمهورية بطيئة ولم تعرف تونس قرارات مثيرة للجدل بحجم قرارات ذلك الإعلان، وهو ما جعل المهتمين بالشأن العام في تونس يستشرفون سيناريوهات ممكنة على ضوئها سيتحدد مستقبل العمل السياسي وتتضح الرؤية لدى الفرقاء السياسيين.
وأيّا كان السيناريو المطروح في البلاد، فمن المؤكد أن تغييرات جذرية ستطرأ على العملية السياسية في تونس، خاصة وأن كافة مكونات المشهد السياسي أجمعت على أن مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021 لن تكون شبيهة بالعشرية السابقة لذلك التاريخ. ومهما اختلفت نتائج سيرورة الأحداث فإنّ كل الفرضيات تفيد أنّ الرئيس قيس سعيّد سيكون اللاعب الرئيسي الأبرز في كل المعادلات الممكنة.
في متن هذا المقال التفسيري محاولة جدية كانت عسيرة ومضنية لاستشراف السيناريوهات السياسية الممكنة في علاقة بمستقبل التجربة التونسية. هذه السيناريوهات بقدر ما تبدو معقدة وغامضة أحيانا فإنّها تشي بحساسية وخطورة المرحلة السياسية القادمة التي قد تفضي إلى حصول تغيير جذري من خارج الدستور وربما بأدوات عنيفة غير مسبوقة. سيناريوهات لن تكون بمنأى عن التأثيرات الخارجية كما هو الحال بالنسبة للمعطى الداخلي صلب الدولة التونسية وأجهزتها من قبيل المؤسسة العسكرية والقضائية فضلا عن تأثيرات الفعاليات الحزبية والمدنية رغم سطوة الرئيس قيس سعيّد الذي بات الرقم الصعب في المعادلة السياسية والشعبية.
في متن هذا المقال التفسيري محاولة جدية كانت عسيرة ومضنية لاستشراف السيناريوهات السياسية الممكنة في علاقة بمستقبل التجربة التونسية. هذه السيناريوهات بقدر ما تبدو معقدة وغامضة أحيانا فإنّها تشي بحساسية وخطورة المرحلة السياسية القادمة التي قد تفضي إلى حصول تغيير جذري من خارج الدستور وربما بأدوات عنيفة غير مسبوقة. سيناريوهات لن تكون بمنأى عن التأثيرات الخارجية كما هو الحال بالنسبة للمعطى الداخلي صلب الدولة التونسية وأجهزتها من قبيل المؤسسة العسكرية والقضائية فضلا عن تأثيرات الفعاليات الحزبية والمدنية رغم سطوة الرئيس قيس سعيّد الذي بات الرقم الصعب في المعادلة السياسية والشعبية.
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي مختص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي
الكاتب : وائل ونيفي
صحفي متخصص في قضايا مكافحة الفساد وحقوق الإنسان والشأن السياسي