الكاتب : آية جنان

تقبع “هاجر” -اسم مستعار- في غرفتها المظلمة تتأمّل جدرانها ذات اللون الأزرق الباهت ثم تشيح بنظرها الى عباءة التخرج الملقاة على رف المكتبة. لم يمرّ على تخرجها سوى بضعة أشهر وها هي الآن تجد نفسها ملقاة على فراش المرض. وما يزيد معاناتها هو أنه لم يحالفها الحظ بعد في العثور على عمل، رغم أنها تُمضي ساعات يوميا في البحث عن عمل داخل مواقع الانترنت وصفحات الفيسبوك. ولكن دون جدوى.

يرن هاتفها فجأة فتدفع عنها اللحاف بكلتا رجليها وتنهض مسرعة ساحبة الهاتف من الشاحن على أمل أن يكون إشعارا من صفحات عروض العمل. تجلس على حافة السرير تتفحص الإشعار الذي تلقته للتو لتجد إعلانا عن عرض شغل عن بعد “للفتيات فقط”.

تبدأ هاجر، الشابة العشرينية، أصيلة ولاية بنزرت، في التفاوض مع إحدى الفتيات التي قامت بنشر عرض العمل على إحدى الصفحات على الفيسبوك لمزيد الاستفسار حول العمل المطلوب منها. لم يكن التفسير واضحا كفاية بالنسبة لها، لكنها وافقت لأن ظروف العمل تتناسب مع حالتها المرضية.

الكاتب : آية جنان

تقبع “هاجر” -اسم مستعار- في غرفتها المظلمة تتأمّل جدرانها ذات اللون الأزرق الباهت ثم تشيح بنظرها الى عباءة التخرج الملقاة على رف المكتبة. لم يمرّ على تخرجها سوى بضعة أشهر وها هي الآن تجد نفسها ملقاة على فراش المرض. وما يزيد معاناتها هو أنه لم يحالفها الحظ بعد في العثور على عمل، رغم أنها تُمضي ساعات يوميا في البحث عن عمل داخل مواقع الانترنت وصفحات الفيسبوك. ولكن دون جدوى.

يرن هاتفها فجأة فتدفع عنها اللحاف بكلتا رجليها وتنهض مسرعة ساحبة الهاتف من الشاحن على أمل أن يكون إشعارا من صفحات عروض العمل. تجلس على حافة السرير تتفحص الإشعار الذي تلقته للتو لتجد إعلانا عن عرض شغل عن بعد “للفتيات فقط”.

تبدأ هاجر، الشابة العشرينية، أصيلة ولاية بنزرت، في التفاوض مع إحدى الفتيات التي قامت بنشر عرض العمل على إحدى الصفحات على الفيسبوك لمزيد الاستفسار حول العمل المطلوب منها. لم يكن التفسير واضحا كفاية بالنسبة لها، لكنها وافقت لأن ظروف العمل تتناسب مع حالتها المرضية.

تقول هاجر:

تقول هاجر:

“تجاهلت الشك الذي كان يساورني حول هذا الموقع والعمل المطلوب لشدّة رغبتي في أن أشتغل بعد أشهر من البحث المضني عن عمل دون أيّة نتيجة. كنت في حاجة لدخل شهري، خاصة وأن العمل يُناسب وضعيتي الصحية، فهو لا يتطلب حضورا جسديا أو تنقلا.

يتعلق الأمر هنا بموقع الكتروني في الانترنت يحمل اسم Arabiandate. هذا الموقع الذي قد يبدو في البداية مجهولا لدى عموم التونسيين نجح القائمون عليه خلال السنوات الماضية في استقطاب العديد من الفتيات التونسيات للعمل فيه حيث يُطلب منهن تقديم خدمات جنسية من خلال محادثات فيديو ورسائل نصية لرواده من الحرفاء الرجال، مستغلا في ذلك أوضاعهن المادية والاجتماعية الصعبة. يقدّم أصحاب هذا الفضاء الرقمي موقعهم الاكتروني على أنّه إطار للتعارف والمواعدة. لقد كانت “هاجر” احدى الفتيات التونسيات اللواتي كن ضحية لهذا الموقع الأجنبي.

موقع “آرابيان دايت”.. واجهة منمقة للتجارة الجنسية

تعمل العديد من الفتيات التونسيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 20 الى 30 سنة في موقع “مالطي – روسي ” للدردشة أطلقته شركة مالطية اسمها SOL NETWORKS LIMITED . ويُطلبُ منهن إتقان اللغة الإنجليزية للحديث مع الحرفاء الأجانب من الرجال، ويتطلب العمل القيام بهذه المحادثات يوميا لأكثر من أربع ساعات من أجل ضمان راتب شهري يتراوح بين 300 و 1000 دينار.

بدأ موقع ARABIANDATE للمواعدة عمله في تونس منذ قرابة ثلاث سنوات وهو مُسجّل في روسيا، أطلقته شركة مالطية، مُختصة في إنشاء تطبيقات التعارف.

يعمل هذا الموقع على استقطاب شابات للعمل فيه للحديث ومراودة حرفاء أجانب من مختلف أنحاء العالم. ولاستعمال هذه التطبيقة، يقوم الحرفاء بتسديد معلوم شهري كاشتراك للحديث مع الشابات وتكون هذه المحادثات دردشة عادية، وفي العديد من الأحيان تتجاوز ذلك لتتحول إلى محادثات نصية جنسية أو محادثات فيديو جنسية والغاية منها هي كسب أكثر ما يمكن من اشتراكات الحرفاء لتأمين مرابيح أكثر لهذا الموقع. ويتم استخدام فتيات من جنسيات عربية ومن ضمنهم تونسيات يقع استعمالهن كطُعم لاستقطاب الحرفاء الأجانب.

للإشتراك في الموقع، يقوم الحرفاء بالدفع من خلال بطاقة ائتمان أو PAYPAL. وبالنسبة لمن يدخل للموقع لأول مرة، يجب أن يستخدم النسخة التجريبية وهي عبارة عن عرض خاص بالمشتركين الجدد ويتمثل سعر هذا العرض الخاص للاشتراك لشهر واحد في 52 دينار تونسي ما يعادل 17 دولار أمريكي، فإذا لم يُلغ الحريف العرض التجريبي قبل نهاية الفترة المحددة، يُعتبر مشتركا في الموقع ويُستخلص من بطاقته البنكية معلوم الإشتراك الذي يبلغ ما يُقارب الـ 132 دينار شهريا مسبق الدفع.

ويمكن للحريف أيضا التمتع بعرض “ائتمانيات” أي شراء نقاط يستطيع استعمالها، حيث تنقسم النقاط إلى أسعار مختلفة حسب طريقة الاستعمال و فترة زيارة الموقع، فمثلا 150 نقطة ائتمان تساوي تقريبا مبلغ 132 دينارا (43 دولار) و 600 نقطة تكلفتها 395,75 دينارا (129 دولار ) وأكبر عدد من النقاط يبلغ 1500 نقطة بتكلفة 791,53 دينار (259 دولار ) ويُستخدم جزء من هذه الاشتراكات لدفع رواتب الفتيات والمشرفات بالموقع، لذا فإن الحفاظ على الحرفاء داخله هو من بين الأهداف الأساسية للشركة والتي تُشدد على احترامها.

بصفة عامة، يستغل هذا الموقع الظروف المادية الصعبة التي تعيشها بعض الفتيات التونسيات خاصة وأن العديد منهن من طبقات فقيرة مهمشة. في الحقيقة معظم الفتيات التونسيات اللواتي وقعن في شراك هذا الموقع هن من صاحبات الشهائد العليا العاطلات عن العمل.

تعمل الشركة المالطية على تضليل الفتيات عبر استخدام إعلانات شغل لا تمت لواقع التطبيقة بصلة، تنتشر على نطاق واسع في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي. في هذا السياق، يقول الخبير في الجرائم الالكترونية، علاء الخميري أن هذه الإعلانات الكاذبة تقوم على استغلال الظروف الاقتصادية الهشة للفتيات، وهو نوع من العنف الاقتصادي، كما يُعرّفه القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة في فصله 3 من بابه الأول

” كل فعل أو امتناع عن فعل من شأنه استغلال المرأة اقتصاديا كالتحكم في الأجور والمداخيل وحظر العمل أو الإجبار عليه”

الفصل 3 من قانون القضاء على العنف ضدّ المرأة

ويسعى الموقع لاكتساب أكبر عدد ممكن من الفتيات للعمل فيه. لذا فحسب تعليمات الشركة المالطية، التي أتت على لسان إحدى المشرفات عليه في تونس وتُدعى “ابتسام”، يجب أن تُنشر عروض الشغل للموقع على أوسع نطاق بمواقع التواصل بمختلف أنواعها، وتحديدا صفحات الفيسبوك المخصصة للجامعات أو تلك المتخصصة في عروض الشغل. وهذا التوجه هو خيار مدروس بدقة من قبل هذه الشركة، نظرا لوجود عدد هام من المتابعين لهذه الصفحات، خاصة من الباحثين عن شغل. فمثلا تُنشر أحيانا في الصفحات الجامعية المخصصة للطلبة والباحثين، فرص للعمل بدوام جزئي وكذلك في الصفحات المخصصة للعاطلين عن العمل.

هناك مشرفات تونسيات مُكلّفات من قبل الشركة بنشر الإعلانات لهذا الموقع والتي تكون في أغلب الأحيان كاذبة ولا تعكس فحوى العمل أو المحتوى الحقيقي للموقع.

رحلة الاستدراج

للعمل في الموقع لابد من المرور بمجموعة من المراحل: أولا تختار المسؤولة عن الإعلانات والمكلفة بالترويج للتطبيقة فتيات من اللواتي استجبن لتدويناتها باعتبار معايير الشكل أولا ثم اتقان اللغة الإنجليزية ثانيا. بعد الاختيار، تقوم المشرفات على الموقع بالإجابة عن استفسارات الفتيات و توضيح طريقة العمل وذلك من خلال اتصال هاتفي على تطبيقة مسنجر عبر حساب FACEBOOK OPERATEUR TCHAT ولا تكشف المشرفات عن وجوههن أو هوياتهن لأسباب مجهولة يبدو أنّها حمائية.

ويُطلب من الفتيات اللواتي وقع عليهن الإختيار، عند القبول الأولي، إرسال صورة من بطاقة تعريف الوطنية وتصوير فيديو تُصرح فيه الفتاة باللغة الانجليزية بموافقتها على العمل في الموقع. وتقول كالتالي :” مرحبا أنا (اسم الفتاة) اليوم (تاريخ اليوم الذي قامت فيه بتسجيل الفيديو) أوافق على تسجيلي بالعمل في ARABIANDATE وأنا جاهزة للعمل بالقواعد المطلوبة”. ويجب عليها أيضا إرسال أفضل 10 صور لها وفيديو آخر يبرز محاسنها.

يتم إثر ذلك القبول وإرسال ملف به مجموعة من التعليمات الخاصة بالموقع كعدد ساعات العمل وطريقة التعامل مع الحرفاء مثل عدم إنهاء المكالمة مع الحريف دون إذنه. وإذا لم تُحترم هذه القواعد، فيُمكن أن تُحرم الفتاة من العمل ليومين، كما يُطلب من الفتيات عدم تبادل الأرقام أو لقاء الحريف على أرض الواقع وذلك قصد الحفاظ على الاشتراكات الشهرية التي يدفعها الحرفاء. وفي حالة المخالفة يُؤثر ذلك على الدخل الشهري للفتاة، مع امكانية اغلاق حسابها.

وأخيرا بعد الموافقة على احترام كل هذه التعليمات، تتلقى الفتيات تدريبا سريعا عن بعد، ثم يتم إنشاء حساب شخصي لكل فتاة يكون مرفوقا بصورها وفيديوهاتها والتي يجب أن يتم تغييرها كل أسبوع لكي لا يمل الحريف من مشاهدة نفس المحتوى.

يشتغل الموقع داخل البلاد بإدارة أشخاص ينقسمون كالتالي: المدير العام ونائبة المدير والمشرفة العامة على المجموعات. كل مجموعة تتكون من 8 فتيات تشرف عليهن مشرفة خاصة بهن. ويتم توجيه التعليمات وطريقة التعامل مع الحرفاء عن طريق المجموعات باستعمال تطبيقة واتساب WHATSAPP . وتسعى كل العاملات في هذا الموقع لإخفاء هوية المسؤول الأول عنه حيث ترد دائما كلمة “المدير التنفيذي” في المحادثات دون ذكر اسمه، وحسب تصريح إحدى المشرفات فإنهن لا يعرفنه شخصيا بل يتواصل معهن عن بعد من خلال البريد الإلكتروني.

المحادثات الجنسية.. مفتاح العبور

مع نهاية كل شهر، وهو موعد تسليم الرواتب، يرد اسم “ابتسام بن عبد الله” على المحادثات بين الفتيات داخل مجموعات الواتساب وهي في العادة الشخص المخول لتسلم الأموال من الشركة المالطية وإرسالها إلى العاملات إما عن طريق البريد أو مباشرة.

تختلف طريقة تسليم الرواتب للفتيات من شخص الى آخر وذلك حسب الولاية التي تقطن فيها الفتاة، فمثلا في تونس الكبرى يتم التسليم مباشرة عن طريق المشرفات. أما بالنسبة للولايات الأخرى كصفاقس وبنزرت وغيرها، فيتم إرسال الأموال عن طريق البريد. يتم تسليم الأموال بهذه الطريقة نظرا لغياب أي فرع في تونس للشركة المالطية ولأي عقد عمل يربط الفتيات العاملات بالموقع مع إدارة الشركة وهو ما يُفسر إمكانية طردهن أو حتى حرمانهم من رواتبهن.

تتعرض الفتيات إلى ضغط بشكل يومي لإحترام التعليمات الموجهة لهن حول كيفية التواصل مع الحرفاء والتي إن خالفنها يتعرضن للطرد وإغلاق حساباتهن. ومن أهمها جلب أكثر عدد ممكن من الحرفاء وذلك بالعمل على تلبية طلباتهم، وعدم غلق الخط أمام الحريف في محادثات الفيديو، حتى وإن كان يقوم بحركات جنسية كأن يعرض نفسه عاريا أو يقوم بالاستمناء، والإجابة على رسائل الحرفاء سريعا، وعدم اطلاعهم على معلومات شخصية أو مواعدتهم على أرض الواقع أو تقديم أرقام حسابات شخصية، لأن ذلك يُمكن أن يؤدي إلى خسارة اشتراكات الحريف. وهو عكس ماهو موجود في واجهة الموقع حيث يُذكر أنه مخصص للمواعدة و البحث عن شريك حياة.

يُفرض على الفتيات أيضا العمل في الموقع على الأقل 4 ساعات يوميا لضمان المدخول الشهري الذي يتراوح بين 300 و 1000 دينار(98 – 326 دولار ) وذلك حسب عدد الحرفاء لكل فتاة وعدد النقاط التي يتلقينها كهدايا في الموقع. بالإضافة إلى ذلك، وعند كل استعمال للموقع، يجب أن تكون الكاميرا الأمامية للهاتف أو الحاسوب مفتوحة طيلة فترة وجود الفتاة و ذلك لكي تراقب المشرفة وجودها الفعلي. حاليا، يوجد أكثر من 160 فتاة يعملن في الموقع من مختلف ولايات الجمهورية، حسب ما صرحت به “مروى”، المسؤولة عن الدعاية.

يزداد الراتب الشهري للفتاة كلما أحسنت معاملة الحريف وتحدثت معه بطريقة تعجبه، وكلما طالت مدة المحادثات. فإذا تعوّد على التواصل معها وإذا لبت رغباته عبر القيام بمحادثات نصية أو محادثات فيديو ذات طابع جنسي، تحصلت منه على هدايا في شكل نقاط إضافية، مما يزيد في راتبها.

تقول “أماني”، طالبة وهي إحدى الفتيات العاملات بالموقع، تتقاضى شهريا حوالي 300 دينار(98 دولار )، أن أغلب الحرفاء يريدون محادثات جنسية وقليلا ما يكون كلام الحريف جديّا لذا يجب مسايرته في المواضيع التي يريدها.

كنت في أمس الحاجة للمال لذا طوّرت من نفسي وأصبحت أتخيل أني بطلة لفيلم

“أماني” عاملة بالموقع

وتُضيف المتحدّثة أنها في وقت لاحق احتاجت الى مدخول شهري قار نظرا لظروفها المادية الصعبة، فقررت أن تزيد من ساعات العمل وتُغيّر من أسلوبها في الحديث مع الحرفاء.

“صرت أتحدث بأسلوب مغر أكثر وأقول للحريف اشتقت لك وما رأيك في ليلة رومانسية مع بعضنا؟…ماذا تريدني أن أرتدي الليلة؟ وما رأيك في اللون الأحمر؟”. تجيب “أماني” عن استفساراتنا حول تفاصيل وأسرار عملها في هذا الموقع الذي تقول إن ظروف الحياة قد أجبرتها على الاشتغال فيه.

وتُفسر أنه من الممكن أن تختار الفتيات العديد من الخدع لإغواء الحريف كأن تعده بموعد رومانسي عبر الموقع كدردشة جنسية بالفيديو ثم تخلف بوعدها وتتحجج بأي شيء، ما يهمّ في النهاية هو أن تتحصلّ منه على هدية ما يعني أموالا إضافية فوق راتبها الشهري.

بعد فترة زمنيّة من العمل، أخبرت “أماني” معدّة التحقيق أن أختها البالغة من العمر 18 سنة تُريد هي أيضا أن تلتحق بالموقع نظرا لسهولة العمل فيه وكونه يُوفر مورد رزق سهل.

تحويلات ماليّة تمرّ دون أي رقابة

لا تخضع التحويلات المالية من الشركة المالطية إلى العاملات فيها في البلاد التونسية إلى أية مراقبة، حيث تتسلم المشرفة العامة على الموقع في تونس شهريا أموالا من هذه الشركة عن طريق البنوك التونسية دون أن يتم التفطن إلى أن هذه الأموال ناتجة عن نشاط غير قانوني.

في هذا السياق، يقول الخبير المالي، بسام النيفر ” إنّ التحويلات المالية من الخارج الى تونس تحدث يوميا ومن الصعب جدا رصد التجاوزات فيما يخصها، فالبنك المركزي لا يتقصى عن مصدر الأموال المُحوّلة من الخارج إلا عند تلقي إنذار من البنوك التي تأتيها التحويلات المالية”. ورجّح بأن هذه الشركة المالطية تقوم بتغيير أساليب إرسال الأموال إما عن طريق تغيير البنوك في كل مرة أو عن طريق حوالات WESTRON UNION أو MONEYGRAM” . كما أنّه هناك احتمال أيضا بحسب نفس المتحدّث أن تكون هذه الشركة تقوم بتقسيم الأموال وإرسالها في شكل مبالغ صغيرة إلى عدّة أطراف وهو ما تقوم به عادة الشركات التي تُمارس أنشطة غير قانونية.

إرسال الأموال يمكن أن يكون عن طريق 20 بنك أو أكثر لكي لا يثير ذلك شكوك البنك المركزي

بسّام النيفر

واعتبر النيفر أن نشاط هذه الشركة المالطية داخل تونس “جريمة منظمة” بإعتبار أنّ الأموال المتأتية من أنشطة التجارة الجنسية تُصنّف على أنها “فاسدة”.

استغلال وسوء معاملة

تتراوح أعمار أغلب الفتيات العاملات في الموقع بين الـ 20 الى الـ 30 سنة، فمن أهم شروط العمل أن تكون الفتاة قد أتمت سنّ الرشد ، لكن خلال إعداد التحقيق، رصدنا حسابا لإحدى الفتيات التي يبدو أنها قاصر، لذلك تم إشعار هيئة مكافحة الإتجار بالأشخاص.

تعتقد الفتيات أن العمل في موقع مثل هذا لا يُمثل أي خطر عليهن ” طالما أن العمل عن بعد”، كما تؤكد ذلك “أماني”. لكن هذا غير صحيح، فالفتيات مجبرات على ترك الكاميرا مفتوحة طيلة ساعات العمل من أجل احتسابها وهن لا يعرفن من يقوم فعليا بمُشاهدتهن، كما أنهن لا يمتلكن الحساب الذي يُفتح باسمهن وإنما هو ملك للمشرفات العاملات في الشركة. وإن حاولت إحداهن غلق الكاميرا فإنها تتعرض للعقوبات وأحيانا للطرد وهو ما حصل مع “نورهان” التي تم اغلاق حسابها ليومين لأنها أنهت محادثة فيديو بينها وبين حريف كان يقوم بالإستمناء أمامها. وفي هذه الحالة يتم خصم 20 دينارا من راتبها وإذا تكررت العملية يتم طردها نهائيا من الموقع.

بصفة عامة، تتعرض الفتيات إلى الاستغلال وسوء المعاملة. وهو ما حصل مع “مريم” -اسم مستعار- التي لم تتقاض مبلغا بقيمة 1800 دينار ( 589 دولار ) كأجر ثلاثة أشهر من العمل في الموقع رغم القيام بالعمل المطلوب وذلك عقابا لها على ما اعتبرته المشرفة عليها تجاوزات منها.

حرمتني المشرفة من تلقي أجري من أجل وشاية إحدى الفتيات التي كانت معنا في المجموعة والتي ادعت أنني لا أعمل بجدية في الموقع وأنني طلبت من إحدى صديقاتي تعويضي نظرا لضغط الدراسة.

مريم

تروي الفتاة العشرينية قصّتها بحسرة بعد أن اضطرت في الأخير إلى ترك العمل بصفة نهائية. وتضيف: “رغم الدخل السهل الذي يوفره لنا هذا الموقع، إلا أنه يعرضنا للكثير من الضغوطات، المتمثلة في المعاملة السيئة من الزميلات في الشغل و ظلم المشرفات و التعليمات الصارمة للشركة والعقوبات على كل خطأ ولو كان طفيفا”.

ترفع مريم رأسها عاليا لتحبس دمعتها ثم تقول: “عدت إلى البطالة والحاجة من جديد. لم توفر لنا بلادنا فرص عمل محترم، لذلك نلجأ لمثل هذه الأعمال للكسب السهل. ولو وجدت فرصة عمل مماثلة فلن أتردد”.

إشكالات تشريعية

رغم تفاقم الجرائم الإلكترونية خاصة المتعلقة بالابتزاز الرقمي واستغلال النساء في تجارة الجنس عبر تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعية، إلا أنه لا يزال هناك في تونس إشكالات تشريعية.

في هذا السياق، يعتبر علاء الخميري، المحامي والخبير في الجرائم الإلكترونية، أن موقع ARABIANDATE يُحفّز الفتيات التونسيات على العمل في نشاط غير قانوني حتى وإن كان ذلك عن بعد، وهو ما يجرّمه الفصل 232 من المجلة الجزائية.

يُعدّ وسيطا في الخناء ويعاقب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام وبخطيّة من مائة دينار إلى خمسمائة دينار كل من يُعين أو يحمي أو يساعد بأي وسيلة كانت خناء الغير أو يسعى في جلب الناس إليه.

الفصل 232 من المجلّة الجزائية

وفي وقت لاحق، أضاف المشرّع إلى المجلّة الجزائية بموجب القانون عدد 73 لسنة 2004 المؤرخ في 2 أوت 2004، الفصل 226 مكرّر المُثيل للجدل الذي نصّ على: ” يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر و بخطية قدرها ألف دينار كل من يعتدي علنا على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة بالإشارة أو القول أو يعمد علنا إلى مضايقة الغير بوجه يخل بالحياء ويستوجب نفس العقوبات المذكورة بالفقرة المتقدمة كل من يلفت النظر علنا الى وجود فرصة لارتكاب فجور وذلك بكتابات أو تسجيلات أو إرساليات سمعية أو بصرية أو الكترونية أو ضوئية”.

من جهته، يعتبر المحامي أيمن إدريس أن المشكل بالنسبة للجرائم الالكترونية هو “إثبات حقيقة حصولها”. وفيما يخص المحادثات الجنسية أو استغلال تونسيات في المواقع الأجنبية قصد المراودة أو غيرها، “طالما لم يقع الفعل الجنسي في لقاء فعلي، فليس هناك أيّة عقوبة”. أما بالنسبة للأفعال الجنسية عن بعد، سواء كانت محادثات نصية أو محادثة فيديو جنسية، “فإن القانون التونسي لم يحدد لفظا معينا لوصفها ولم يحدد المشرع نصّا قانونيا في هذا الشأن، بل تبقى الجريمة مرتبطة بحقيقة وقوع الفعل الجنسي على أرض الواقع وليس عن بعد”.

أمّا من ناحية غياب الرقابة على هذا الموقع، فيقول الخبير في الجرائم الالكترونية، علاء الخميري إن “الوكالة الفنية للاتصالات لا تقوم بالتحري حول عمل التطبيقات المشبوهة إلا بعد تلقيها أمرا قضائيا فيما يخصها. بالتالي، فعلى الأشخاص الذين تعرضوا لضرر من هذه التطبيقة القيام بدعوة قضائية في الغرض”.

لمزيد الإستفسار عن أطر الوقاية والتوقي من نوعية هذه الجرائم الإلكترونية صرّحت المكلفة بالإعلام بوزارة تكنولوجيا الاتصال سناء اليوسفي، بأن القضاء هو الذي يتقصى في مثل هذه التجاوزات، عندما تكون هناك تشكيّات من المواطنين ليتم إثر ذلك فتح بحث في الغرض وحينها فقط يمكن للقضاء أن يأمر بحجب هذه التطبيقة.

في وقت سابق قبل 2011، كان حجب التطبيقات والمواقع الإلكترونية يأتي بمجرّد قرار إداري تطبيقا لسياسة الدولة في حجب المواقع المعارضة والمنتقدة لنظام الحكم. بُعيد الثورة أصبح قرار حجب موقع إلكتروني يمرّ وجوبا عبر قرار قضائي وهو ما حصل مع تطبيقة “الحوت الأزرق” ( لعبة إلكترونية موجهة للأطفال ) عندما اتخذت السلطات التونسية في مارس 2018 قرار بحجبها لتسببها في العديد من حوادث الانتحار في البلاد في صفوف الأطفال والمراهقين. ويُعدّ هذا القرار الأول من نوعه في تونس، وقد جاء على خلفية القضية التي رفعتها مجموعة من العائلات، بالتنسيق مع المندوبية الخاصة بحماية الطفولة، التابعة لوزارة شؤون المرأة.

يطرح عمل الفتيات في موقع ARABIANDATE إشكالية أخرى وهي عدم حماية المعطيات الشخصية لهن، فمعطيات أكثر من 160 فتاة تونسية تقع بين يدي هذه الشركة المالطية، منها بطاقات التعريف الوطنية لهن إلى جانب فيديوهاتهن وصورهن. فهن يعملن في الموقع دون أن يكون لديهن أي عقد عمل أو أي إطار قانوني ينظم شغلهن، خاصة في ظل غياب فرع قانوني للشركة المالطية في تونس وعدم تسجيلها بالسجل الوطني للمؤسسات. كذلك فإن المدير المسؤول عن الموقع في تونس يسعى لإخفاء هويته ويظل دائما غائبا عن الأنظار، مستعملا المشرفات على الفتيات كغطاء.

يُعدّ كلّ هذا مخالفة صريحة القانون الأساسي عدد 63 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية في تونس:

“يعتبر خرقا كل معالجة أو استعمال لمعطيات الشخصية دون الالتزام بالشفافية و احترام لكرامة الانسان”.

قانون حماية المعطيات الشخصية

كما يُشير الفصل العاشر من القسم الثاني من ذات القانون إلى أنه “لا يجوز جمع المعطيات الشخصية إلا لأغراض مشروعة ومحددة وواضحة.”

جدير بالذكر، أنه حتى عندما تتوقف الفتيات عن العمل في الموقع، فإن الشركة تحفظ بياناتهن في بنك معلوماتها.

لم تنته الخروقات القانونية المتعلقة بموقع ARABIANDATE، فقد تبيّن أن فيه ثغرة معلوماتية خطيرة، تسمح باختراق حسابات المستعملين، فحسب مهندس البرمجيات، حمزة الرويسي تم انجاز الموقع باستخدام لغة “الجافا سكربت” لإنشاء صفحات ويب تفاعلية وتطبيقات بما في ذلك الألعاب الإلكترونية، وهي إحدى اللغات البرمجية المُعرّضة للاختراق، بالتالي، فإن الموقع غير آمن لمستعمليه، سواء كانوا حرفاء أو عاملات.

ويؤكد الرويسي، أنّ الموقع يُساعد على اختراق الحسابات الشخصية والنفاذ إلى كامل المعطيات الموجودة في الحاسوب أو الهاتف.

يتأكّد هذا بمعاينة تشكيات حرفاء هذا الموقع والمنشورة بموقع Trust Pilot الذي يهتم بجودة المواقع وتطبيقاتها أين اجتمعت أغلبها على أنّ الكثير منهم قد تعرضوا بالفعل إلى السرقة طوال فترة إستعمالهم للتطبيقة حيث يستغل القراصنة الثغرات المعلوماتية لسحب مبالغ مالية هامة من بطاقات الائتمان الخاصة بهم.

كتبت إحدى مستعملات الموقع وتدعى “مايا شوذوري ” رأيها في خصوص تطبيقة ARABIANDATE أنها لن تعطي “هذه التطبيقة حتى صفر نظرا لخدماتها السيئة. وتضيف: “سعيت لإيجاد زوجة لأخي من أصول عربية من خلال هذه التطبيقة، إلا أنني لم أجد سوى وعود زائفة، حيث أن أغلب مستعمليها غير حقيقين وليست هناك مواعدة حقيقية على أرض الواقع، كما أنني لم أستطع محو الحساب وبقيت معطياتي في الموقع، إلى جانب أنه تم سحب مبلغ 200 دولار من بطاقتي الإئتمانية دون إذني. هم حقا مجموعة من المتحيلين”.

مدير الموقع في تونس يعلّق

بعد جمع كل هذه المعلومات ، طلبنا من المشرفة العامة على المجموعات ابتسام بن عبدالله، مدنا برقم المدير التنفيذي للموقع في تونس لمواجهته بكل المعطيات التي تم الحصول عليها، إلا أن هذه الأخيرة رفضت ذلك مؤكدة أن لا صلة لها به، ثم عادت بعد يوم لترسل لنا العنوان الالكتروني للمدير الذي تتواصل معه من خلال البريد فقط ولا تعرفه شخصيا على حسب قولها.

تواصلنا معه عبر البريد حيث رفض الحديث هاتفيا واشترط أن تكون المحادثة كتابيا فقط على تطبيقة “سينيال”. علمنا أن اسمه”طه” وهو مغربي الجنسية ، في حين تعرفه المشرفات في محادثاتهن باسم “سُكينة” كي لا يتم اكتشاف هويته.

أنكر “طه” المدير التنفيذي للموقع في تونس، كل التجاوزات التي تم رصدها خلال إنجاز التحقيق، متعللا بأن هذه التطبيقة لها غايات نبيلة وهي التعارف والزواج واعتبر أن كل التجاوزات المذكورة هي أخطاء من زملائه العاملين والمشرفين على الموقع في تونس.

” تطبيقتنا محترمة ونحن نحترم القيم العربية، وإذا قام موظف أو موظفة عندنا بإرسال رسالة غير محترمة لأحد فسيتم خصم 30 دولارا من راتبه. لدينا قصص نجاح كثيرة في كل الدول ومنها تونس حيث تمت ثلاثة زيجات عبر الموقع”.

طه

أما بالنسبة لابتسام بن عبدالله، المكلفة بتنظيم وتسيير المجموعات، فقد تواصلنا معها عبر محادثات نصيّة على الواتساب، فقد أدانت كل التجاوزات التي ذكرناها و صرّحت بأنها استقالت من العمل منذ بداية سنة 2021 بالتثبت في ردودها تبّين أنها غير صحيحة، بعد تحصلنا على وثيقة استلام نقود من البريد التونسي من احدى الفتيات مرسلة باسمها في 11 جوان/يونيو 2021.

رغم ما يوثقه التحقيق من تجاوزات طالت الفتيات اللواتي يعملن بهذا الموقع، الا أن العديد منهن لا يعتبرن أنفسهن ضحايا هذه الشركة المالطية بل هن ضحايا التهميش والفقر وفشل الحكومات المتعاقبة التي لم توفر لهن مصدر رزق.

ورغم تعرضهن للعديد من الضغوطات من قبل الشركة إلاّ أنهن يحافظن على سريّة عملهن في هذا الموقع، خوفا من فقدان الرواتب الزهيدة التي يحصلن عليها ومن نظرة المجتمع لهن. في الأثناء، يستمر الموقع في استقطاب شابات جديدات و في مواصلة نشاطه بلا رقيب ولا حسيب. ففي آخر تحديث للمعلومات حول الموقع، تم تغيير نمط العمل داخل التطبيقة إذ لم يعد قائما على عدد ساعات العمل فقط أي 70 ساعة في الشهر لتحصيل راتب شهري قار بل تمت إضافة مكافآت لتحفيز الفتيات للعمل أكثر، كما تم استقطاب فتيات جدد للإشتغال به، هذا إلى جانب الزيادة في حجم الخدمات المقدمة للحرفاء بالاعتماد أكثر على محادثات فيديو.

كلمة الكتيبة:

أنجز هذا العمل في إطار أكاديمية الصحافة الاستقصائية التي أطلقتها منظمة المادة 19 مكتب شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالشراكة مع معهد الصحافة وعلوم الإخبار بمنوبة.

كلمة الكتيبة:
أنجز هذا العمل في إطار أكاديمية الصحافة الاستقصائية التي أطلقتها منظمة المادة 19 مكتب شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالشراكة مع معهد الصحافة وعلوم الإخبار بمنوبة.

الكاتب : آية جنان

تأطير: حنان زبيس
تدقيق: وائل ونيفي
غرافيك: منال بن رجب
غرافيك: منال بن رجب
تأطير: حنان زبيس
تدقيق: وائل الونيفي

الكاتب : آية جنان

ayaa