الكاتب : يسرى بلالي
صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.
في 26 أوت/ أغسطس 2022 انسحبت المملكة المغربية القمّة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا “تيكاد 8” والتي تحتضنها تونس، وذلك لحضور وفد عن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للندوة واستقبال رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيّد له بشكل رسمي.
الكاتب : يسرى بلالي
صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.
في 26 أوت/ أغسطس 2022 انسحبت المملكة المغربية القمّة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا “تيكاد 8” والتي تحتضنها تونس، وذلك لحضور وفد عن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للندوة واستقبال رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيّد له بشكل رسمي.
عبّرت المملكة عن مقاطعتها من خلال استدعاء سفيرها من تونس للتشاور وإصدار بيان تتّهم فيه الجمهورية التونسية بـ”التوجّه العدائي” و”مضاعفتها للمواقف السلبية تجاه المصالح العليا للمملكة”، ملمّحة بذلك إلى تصويت تونس في مجلس الأمن الدولي في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين امتنعت، اي تونس، عن التصويت لصالح قرار تمديد عمل بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية “المينورسو” سنة إضافية ، وباتّخاذ قرارات (تقصد استدعاء الوفد الصحراوي) ضدّ رغبة اليابان وفق نص البيان المغربي.
من جهتها، كانت الجمهورية الصحراوية، قد أصدرت بيانا تساند فيه تونس وتُعرب عن استغرابها من عدم اصدار الخارجية المغربية سابقا لأيّ بيان عند مشاركة الجمهورية الصحراوية في القمم السابقة في كينيا واليابان.
ويبدو أنّ أوت/أغسطس هو شهر الصراعات المغربية التي تتزايد خاصّة مع دول الجوار على غرار الجزائر وليبيا في الثمانينات، وموريتانيا التي ما تزال العلاقة معها بين مدّ وجزر إلى الآن.
ففي 24 أوت/ أغسطس 2021، أعلن المجلس الأعلى للأمن الجزائري قطعَ العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية. ولئن لم يشكّل هذا الحدث مفاجأة إلاّ أنّ تاريخ الإعلان عن هذه القطيعة الجديدة عاد بالذاكرة المغاربية إلى نفس اليوم من سنة 1994 حاملا في ثناياه مؤشرات حرب باردة جديدة.
يمثّل الرابع والعشرون من أوت/ أغسطس بالنسبة لكلّ من المملكة المغربية والجزائر، منعطفا تاريخيا حاسما في قطع العلاقات الثنائية بينهما وقتل المفهوم الدبلوماسي المغاربي. حملت هذه القطيعة العديد من الإجابات المتضاربة والمتناقضة لُخّصت في قضية الصحراء الغربية بما أنّها الأزمة الكبرى الثانية التي عمّقت الهوة بين البلدين. لكنّ جذور هذه الأزمة تمتدّ إلى ما قبل استقلال الجزائر وإلى تنازع الطرفين حول الحدود الجنوبية إثر مطالبة المغرب بعد استقلالها سنة 1956 باسترجاع منطقتي تندوف وبشار التي كان قد ضمّها المستعمر الفرنسي للأراضي الجزائرية.
فهل دفعت تونس المملكة المغربية إلى مقاطعة القمّة اليابانية خاصّة بعد انطلاقها في الجمهورية الجديدة وتقرّب الرئيس قيس سعيّد من الجزائر وتوحّد موقفهما المُعلن ضدّ الكيان الصهيوني الذي أصبح حليفا للمغرب منذ ديسمبر 2020 بعد إعلان تطبيع العلاقات بينهما؟ وهل أصبحت السياسة الخارجية للمملكة المغربية سائرة على خطى جورج بوش في مقولته الشهيرة “من ليس معنا فهو ضدّنا” في حين تتمسّك تونس بالحياد والسيادة الوطنية؟ وهل عزلت قضيّة الصحراء الغربية المملكة المغربية إفريقيا ودوليا بعد أصبحت هي المعطى المحدّد لعلاقات المغرب الخارجية وفق تأكيدات الملك محمد السادس؟
الجغرافيا السياسية للمغرب الكبير
في لقائه مع موقع الكتيبة، يفسّر الدبلوماسي التونسي السابق أحمد ونيّس، أنّ الجغرافيا السياسية للمغرب العربي هي في الأصل موروث استعماري لاعلاقة له بموروث شعوب المنطقة، وإن انتصبت دولة الاستعمار في الفضاء الجزائري واتّسعت على حساب الشرق والغرب لتصبح الأراضي المحتلة استعماريا تحت السيادة الفرنسية، فإنّ تقلبات الحدود ما بين الفضاء الجزائري وجيرانه شرقا وغربا لم تكن بحجم تضحيات الجزائريين والتونسيين والمغاربة، وفق تعبيره.
وبالعودة إلى السياق التاريخي، يقول العاهل المغربي السابق الحسن الثاني (1961-1999) في كتابه “مذكرات ملك” الذي كان عبارة عن حوار توثيقي وتأريخي مع الصحفي الفرنسي اريك لوران:
“لقد جاءنا السيد بارودي موفدا من قبل الجنرال ديغول وصرّح قائلا: نحن على وشك تسوية سلمية مع الجزائر. ونعتقد أنّه من المناسب أن يتباحث المغرب وفرنسا من الآن في مشكل حدودهما. فكان جواب والدي: إنّه غير وارد أن أتفاوض في هذه الظروف. فذلك سيكون مني طعنا من الخلف للجزائر المكافحة، إنّنا سنسوّي قضايانا فيما بعد. وهكذا بدأت العلاقات الجزائرية-المغربية بالنسبة لأحد الطرفين بالاقتناع بأنّه سُلب منه شيء. وبالنسبة للطرف الآخر بالإصرار على ألاّ يتنازل عن شيء وأن يتشبّث بالفصل المعروف من ميثاق أديس أبابا، القاضي بالإبقاء على الحدود كما تركها الاستعمار.”
مقتطف من كتاب “مذكّرات ملك”
من هذا المنطلق، لا يمكن الحديث عن جذور صراع “الإخوة الأعداء” في المغرب المعاصر دون العودة إلى موروث الحقبة الاستعمارية الفرنسية في المنطقة حيث تعود المشكلة الحدودية إلى منتصف القرن التاسع عشر وتحديدا بعد معركة “إيسلي” التي شنّت فيها فرنسا الحرب على المغرب غداة احتضان السلطان المغربي المولى عبد الرحمان للأمير عبد القادر الجزائري والتي نتج عنها توقيع معاهدة “لالة مغنية” القاضية باقتطاع جزء من الأراضي الشرقية المغربية وضمّها للمستعمرات الفرنسية بالجزائر.
وفي 6 جويلية/ يوليو 1961، وقّعت الرباط اتفاقا مع رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية آنذاك فرحات عباس، تضمنّ اعترافا بضرورة بدء المفاوضات حول المشكلة الحدودية عند استقلال الجزائر والذي نفاه أحمد بن بلّة لاحقا عندما أكّد سنة 1962 على أنّه لا سبيل الى تجزئة التراب الجزائري أو انتزاع أي جزء منه.
تقع مسؤولية ذلك كليا على عاتق بن بلة، لأنّه أصرّ على أنّه محق والحالة أنه أخطأ بتأكيده أنّ مركز حاسي البيضاء، الواقع على الحدود وموضوع النزاع، هو من تراب الجزائر وليس من تراب المغرب.
مقتطف من كتاب “مذكّرات ملك”
مهّد استقلال البلدين (المغرب والجزائر) واستعداد الطرفين للمضي قدما نحو التوسّع إلى القطيعة الدبلوماسية والمواجهة المباشرة. ففي 8 أكتوبر/تشرين الأول 1963، شنّت عناصر من القوات الجزائرية هجوما على منطقة حاسي البيضاء قُتل فيه 10 عناصر من الجيش المغربي الموجود بالمركز العسكري للبلدة.
وعلى الرغم من احتجاج السلطات المغربية على هذا الهجوم الاّ أنّها لم تجد تجاوبا من قبل السلطات الجزائرية ممّا أدّى إلى إيقاف العمل الدبلوماسي بين البلدين واندلاع حرب الرمال. كان ذلك بعد حرب اعلامية اتّهمت فيها الجزائر المغرب بأطماع توسّعية في المنطقة فيما اتهمّت المغرب جارتها الجزائر بتلقيها دعما من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر في اتجاه سعي هذه الأخيرة لتحقيق امتداد قومي في منطقة المغرب العربي.
وبعد أيّام معدودة توقّفت الحرب في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1963، وتمّ التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار في 20 فيفري/ فبراير 1964 بإيعاز من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، ولم تُصلح العلاقات بين البلدين حتى بعد الأحداث التي شهدتها الجزائر سنة 1965 بانقلاب الهواري بومدين على نظام أحمد بن بلة، بل زاد ذلك الطين بلّة حسب تصريح الملك الحسن الثاني في “مذكرات ملك”.
ورغم أكثر من نصف قرن على بداية صراع الإخوة الأعداء، لازالت المشاكل الحدودية تشكّل خطرا على مواطني تلك المناطق محل الخلاف حيث أصدرت السلطات الجزائرية قرارا يقضي بإخلاء المزارعين المغاربة لمنطقة “العرجة” الحدودية ممّا أدّى إلى خروج العشرات من سكان منطقة “فجيج” على الحدود المغربية الجزائرية يوم 18 مارس/آذار 2021، في مظاهرات للاحتجاج على طردهم ومنعهم من أراضيهم التي يمتلكون وثائق ملكيتها بدعوى أنها “أراض جزائرية”.
بين بورقيبة والحسن الثاني
لم تقتصر استراتيجية التوسّع للاستعمار الفرنسي في الجزائر على الحدود الجنوبية فحسب بل شملت التوسّع شمالا ومحاصرة البلاد التونسية من جهتين، حيث اقتطعت جزءا من صحرائها وضمّتها من جهة الغرب الجزائر ومن جهة الجنوب لليبيا، وفق الدبلوماسي التونسي أحمد ونيس.
“قبل بورقيبة لكنّ الحسن الثاني لم يقبل”، هكذا علّق وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيّس، مؤكّدا أنّ السلط الجزائرية تعلّقت بالحدود الاستعمارية التوسّعية، وساهمت في تنفيذ هذه المرجعية الاستعمارية على شمال افريقيا رغم حيازة البلاد التونسية وثائق دولية واضحة تضبط تغييرات المستعمر الفرنسي.
وبعد استقلال تونس، لم تعترف الحكومة الجزائرية بتلك الوثائق الدولية، بل حثّ عبد العزيز بوتفليقة حينما كان وزيرا للخارجية الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة على التنازل عن نصيب تونس من الصحراء بموجب اتفاقية 1925 والتي تنطوي على مقايضة تونس لنصيبها من الصحراء أيام الاحتلال، وتنقض بالمقابل الوثيقة التي كانت قد وقّعتها الدولة العثمانية عند ضبطها للحدود بين ليبيا والجزائر وتونس، وفق نفس المتحدث.
امتنع الحبيب بورقيبة لسنوات قبل أن يستسلم ويفرّط في النصيب التونسي من الصحراء، ليتمّ اعتماد السلطات العسكرية الجزائرية لمحضر جلسة وقّع سنة 1968 بالردّ على المملكة المغربية التي لم تقبل بدورها التنازل عن حقها في الصحراء المغربية.
انّني باعترافي بالجمهورية الإسلامية الموريتانية، وبتنازلي عن منطقة تيندوف لصالح الجزائر، قد قدّمت أقصى ما يمكن من تنازلات لا لأتمتع بعلاقات طبيعية فحسب بل وامتيازية مع جارتيّ المغربيتين وتشجيع التعاون النموذجي في المستقبل بين بلداننا الثلاثة، وهو التعاون الذي سيمكننا من التعجيل ببناء مغربنا.
الملك الحسن الثاني لرئيس موريتانيا
من مذكرات المختار ولد داداه
حسب الصحفي الجزائري المتخصّص في الشأن الدولي فاهم بوعبد لله فإنّ الملك الحسن الثاني وقّع مع نظيره الجزائري على اتفاقية ترسيم الحدود المتوارثة من الاستعمار الفرنسي وبهذا تصبح المملكة المغربية قد تنازلت عن الصحراء المتنازع عليها واعترفت بالحدود الاستعمارية.
من المسيرة الخضراء إلى المسيرة “الكحلا”
كانت حرب الرمال كفيلة بحمل كل طرف لبذور الضغينة للآخر، وخلقت أرضا خصبة للمستعمر الاسباني حيث فعل بمنطقة الصحراء الغربية مافعله نظيره الفرنسي بمنطقتي تندوف وبشار وأوقع البلدين في خصومة أخرى متواصلة إلى اليوم.
استُعمرت الصحراء الغربية من قبل المملكة الإسبانية سنة 1884 وكانت ضمن تقسيم القوى الاستعمارية للعالم العربي في اتفاقية برلين لسنة 1884، وظلّت مستعمرة تحت اسم “الصحراء الإسبانية” إلى حدود 26 فيفري/ فبراير 1976 بعد انسحاب اسبانيا نهائيا منها، وما إن انسحب المستعمر الاسباني حتى اندلعت حرب باردة بين المغرب والجزائر راح ضحيّتها الآلاف من الصحراويين والمغاربة بعد المسيرة الخضراء التي دعا فيها الملك الحسن الثاني قرابة 350 ألف مغربي للسيطرة على الصحراء الغربية سنة 1975، وطُرد فيها المغاربة المقيمون بالجزائر قسريا يوم عيد الاضحى كردّ من الهواري بومدين فيما يسمّى بالمسيرة “الكحلا” والتي ترك فيها المغاربة أهاليهم وأعمالهم ومنازلهم.
ولم تكن المسيرة “الكحلا” الردّ الجزائري الوحيد بل احتضنت الجزائر جبهة البوليساريو ووفّرت ملاذا للاجئين الصحراويين قرب بلدة تندوف بعد استيلاء المغرب على ثلثي الصحراء الغربية، ممّا أدّى إلى قطع العلاقات بين البلدين سنة 1976 لتعود مجدّدا سنة 1988.
اتحاد المغرب العربي..الحلم الذي تحوّل إلى سراب
تأسّس “اتحاد المغرب العربي” في 17 فيفري/فبراير 1989 بعد ثلاثين سنة من فكرة إنشائه التي تبلورت في 28 -30 أفريل/أبريل 1958 في مؤتمر الأحزاب المغاربية الذي عقد بمدينة طنجة وضمّ ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية. وكانت السنوات الثلاثون المرحلة المطوّلة التي نال فيها بلدان المغرب العربي استقلالهم الكامل وتأسّست فيها موريتانيا وتمّ إنشاء لجان للتعاون تضمّ البلدان الخمس: ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا.
تمثّلت أهمّ أهداف معاهدة إنشاء الاتحاد المغاربي، في “توثيق أواصر الأخوة التي تربط الأعضاء وشعوبهم بعضهم ببعض والمساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها وخاصّة انتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين المتمثّلة في الميدان الدولي والاقتصادي والثقافي”. وقد تمّ التوقيع على اتفاقية إنشاء المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية بين دول اتحاد المغرب العربي في 10 مارس/آذار 1991، ومقره تونس بهدف المساهمة في إقامة اقتصاد مغاربي مترابط ومندمج.
تلك الأهداف المشار إليها أعلاه لم تخرج إلى النور وبقيت مؤجّلة نظرا للقطيعة بين البلدين التي اشتدّت مرّة أخرى بعد حادثة الهجوم المسلّح على “فندق آسني” بمراكش في 24 أوت/ غشت 1994، والذي تورّط فيه ثلاثة جزائريين واتهّمت فيه المغرب المخابرات الجزائرية وفرضت التأشيرة على كلّ جزائري يدخل التراب المغربي ممّا أدّى إلى ردّ الجزائر بإغلاق الحدود البريّة مع المغرب.
وكانت تلك الحادثة الرصاصة التي مهّدت لـ”قتل” الاتحاد المغاربي. وقد أشار وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمطان العمامرة في تصريح إعلامي بخصوص قطع العلاقات الخارجية مع المغرب سنة 2021، إلى مشكل الاتحاد المغاربي وإلى تجميد المملكة المغربية لأنشطة اتحاد المغرب العربي في 20 ديسمبر/كانون الأول 1995، ليصبح الاتحاد المغاربي حبرا على ورق قائلا:
بخصوص الالتزام المتعلق بتسريع البناء الوحدوي المغاربي، وبعد إنشاء اتحاد المغرب العربي كمنظمة إقليمية جاء تأسيسها امتدادا لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، يتضح بجلاء أن المملكة المغربية هي الدولة العضو الذي صادق على أقل عدد من الاتفاقيات مع استثناء مقصود للاتفاقيات المهيكلة للفضاء المغاربي. ولعل خير دليل على هذا التوجه، القرار المغربي الانفرادي، المؤرخ في 20 ديسمبر 1995، بتجميد أنشطة مؤسسات اتحاد المغرب العربي دافعا بذلك تدريجيا الاتحاد المغاربي نحو الموت البطيء.
من تصريح رمطان العمامرة
حرب الاتهامات .. نيران مستعرة لا تنطفئ
لم تترك الاتهامات المتبادلة من الجانبين الجزائري والمغربي أي طرف لالتقاط أنفاسه، فبعد أن اتّهمت المغرب جارتها الجزائر بمساندتها لجبهة البوليساريو وتزويدها بالأسلحة سنة 1976، وبعد اتّهام الجزائر للمغرب بإيواء جماعات جزائرية مسلّحة، انتهجت حرب بداية الألفينات طريق المراسلات والمذكّرات إلى الأمم المتحدّة التي أصبحت فيها الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية طرفا ثالثا في النزاع مع المغرب والجزائر، خاصّة بعد إعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة دعم بلاده لقضيّة الصحراء سنة 2004 وتوجيه المغرب لمذكّرة إلى الأمم المتحدة يشرح فيها مسؤولية الجزائر في النزاع.
وإلى حدود جويلية/ يوليو 2021، وبعد أكثر من نصف قرن من الصراع الدوري والمعلن حول قضيّة الصحراء الغربية، ترك الطرفان هذه القضية جانبا وانتقلا إلى زجّ حركتي “ماك” (حركة أمازيغية من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل) و”رشاد” (حركة جزائرية معارضة لنظام الحكم في الجزائر) المصنفّتين إرهابيتين من قبل الحكومة الجزائرية في الصراع، حيث دعا ممثّل المغرب الدائم لدى الأمم المتحّدة إلى حق تقرير المصير لسكّان منطقة القبائل في الجزائر، لتردّ الجزائر متّهمة المغرب بتحريض حركتي “ماك” و”رشاد” ضدّها وبوقوفها خلف حرائق تيزي وزو التي اندلعت في 2021.
” الأعمال العدائية تشمل أيضا التعاون البارز والموثق للمملكة المغربية مع المنظمتين الإرهابيتين المدعوتين “ماك” و”رشاد” اللتين ثبت ضلوعهما في الجرائم الشنيعة المرتبطة بالحرائق المهولة التي شهدتها عديد ولايات الجمهورية مؤخرا، إلى جانب عملية التعذيب والقتل الهمجي الذي راح ضحيته المواطن جمال بن اسماعين. ومن جانبها، فإن الفضيحة، التي لا تقل خطورة عن سابقتها، والمتعلقة ببرنامج “بيغاسوس” قد كشفت، بما لا يدع مجالا للشك، عمليات التجسس الكثيفة التي تعرض لها مواطنون ومسؤولون جزائريون من قبل الأجهزة الاستخباراتية المغربية مستعملة في ذلك هذه التكنولوجيا الإسرائيلية. ”
من تصريح رمطان العمامرة
أمّا بالنسبة لحركة “رشاد”، فإنّ عدم التعاون مع الدول والحكومات والجهات الرسمية يعتبر مبدأ من مبادئ الحركة حسب أحد مؤسّسيها محمد العربي زيتوت، والذي أكّد أنّ الخط الذي رسّمته الحركة قبل تشكيلها في منتصف التسعينات هو عدم تورّطها مع السلطات وهذا المبدأ مقدّس، وفق تعبيره.
أمّا بخصوص برنامج بيغاسوس فإنّ الحكومة المغربية كانت قد نفت الاتهامات الموجّهة إليها معلنة لجوئها إلى القضاء بعد تقارير وكالة فرانس برس التي ذكرت نقلا عن
الصحيفة الفرنسية “لوموند” أنّ أرقام هواتف أكثر من 6 آلاف سياسي دبلوماسي وأمني وعسكري حول العالم، كانوا أهدافاً محتملة لبرنامج التجسس “بيغاسوس” ببوابته المغربية وضمّت القائمة أسماء رئيس الأركان الجزائري السابق القايد صالح الذي توفي في كانون الأول/ديسمبر 2019 وقادة عسكريين آخرين وأفراد من أسرة بوتفليقة بينهم شقيقيه سعيد وناصر وشقيقته أيضاً.
وضمّت القائمة اسمي رمطان لعمامرة وعبد القادر مساهل وزيري الخارجية السابقين ومسؤولين آخرين في وزارتي الداخلية والخارجية وشخصيات بارزة في الحراك”.
ولعلّ التطبيع المغربي-الاسرائيلي قد أكّد الاتهامات المتعلّقة بالمملكة المغربية حول برنامج بيغاسوس الإسرائيلي أفقدها مصداقيتها في المنطقة المغاربية خاصّة بعد زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد للرباط في أوت/ أغسطس 2021 وإعرابه عن “المخاوف “حول الدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة وتقاربها مع إيران، وعن الحملة التي قادتها ضد قبول إسرائيل عضوا مراقبا في الاتحاد الأفريقي”.
أزمة في طور التدويل
لم تقتصر القطيعة الجزائرية-المغربية على حدود البلدين بل صدرت إلى الخارج لتتسابق على الحلفاء وتحمي مصالحها الخارجية خاصّة منها الاقتصادية. ومثلما كانت إسبانيا طرفا في نزاع البلدين في مطلع السبعينات فإنّها عادت لتتسبّب بينهما في خلاف يهدّد اقتصاد المنطقة حول أنبوب غاز “المغرب العربي-أوروبا” الذي يعمل منذ سنة 1996 والذي ينطلق من حقل “حاسي الرمل” جنوب الجزائر وصولا إلى جنوب إسبانيا، مرورا بالأراضي المغربية، وينقل سنويا كميات غاز تصل إلى 12 مليار متر مكعب.
لكن الآجال التعاقدية لهذا الأنبوب انتهت في 31 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2021، ولم يتم تجديد العقد ممّا طرح تساؤلات عدّة خاصّة وأنّ هذا الأنبوب يزوّد المغرب وإسبانيا والبرتغال بالغاز الطبيعي، كما تستفيد الرباط أيضا من عائدات مالية كحقوق عبور.
وحسب الصحفي وعضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الانسان عبد اللطيف الحماموشي، فإنّ مسألة الغاز ليست في صالح الشعبين ولا تنذر بخير لعودة العلاقات بين البلدين، بل يجب على الشعوب المغاربية أن تتبادل مواردها الطبيعية ولا تذهب بعيدا لتأزيم الأوضاع.
كما أنّ دخول ممثّل الجمهورية الصحراوية ابراهيم غالي لإسبانيا من أجل العلاج في أفريل/نيسان 2021 كان سببا في توتّر العلاقات المغربية الإسبانية لمدّة سنة كاملة، أخضعت فيها المملكة ابراهيم غالي للاستجواب القضائي بخصوص انتهاكات ضدّ حقوق الإنسان ممّا سبّب احراجا لإسبانيا، كما أغلقت معابر سبتة ومليلية البرية والبحرية.
ومن الجانب الفرنسي، فإنّ عدم تعاون البلدين لم يؤثّر على اقتصاد السوق المغاربي فحسب، بل ساهم في خوض المعارك الجماعية كل واحدة على حدة. ففي 28 سبتمبر/أيلول 2021 وبعد أسبوع من إغلاق الجزائر لمجالها الجوي أمام المغرب، يعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابريال أتال أنّ بلاده قررت تشديد شروط منح تأشيرات الدخول إلى مواطني المغرب والجزائر وتونس، وذلك لرفض هذه الدول إصدار تصاريح قنصلية لاستعادة مواطنيها الذين يوجدون في فرنسا بشكل غير قانوني.
لقد ساهمت القطيعة الجزائرية المغربية في قتل حلم اتّحاد المغرب العربي والذي كان أملا لسوق تنموية افريقية تنهض بالمنطقة المغاربية، كما أنّ تفاقم الأوضاع المغربية مع شقيقاتها قد يُتلف هذا الحلم من جهة، ويزيد من عزلة المملكة التي لم يبق لها سوى الكيان الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية.
في هذا المقال محاولة لتوثيق الجذور التاريخية للأزمة القائمة بين الدولتين الجارتين المغرب والجزائر فضلا عن رصد أهم التطورات والمنعرجات في صراع "الإخوة الأعداء" الذي امتدّ إلى تونس وموريتانيا. ولعلّ من يكتب في مثل هذا الموضوع يكون مثل من يمشي على رمال متحركة أو في ما يشبه حقل الألغام لهذا كنا حريصين قدر الإمكان على التوازن والتحري أكثر من يمكن في المعطيات التي أوردناها دون انحياز لأي جهة.
الكاتب : يسرى بلالي
صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.
الكاتب : يسرى بلالي
صحفية، صانعة محتوى، باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية.