الكاتب : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي لموقع الكتيبة

صلاح بن تركية رجل أعمال قد لا يبدو اسمه مألوفا لدى عدد كبير من التونسيين.ـات، إلا أنّه تمكّن بمعيّة زوجته شادية القسوري من بناء إمبراطورية تهيمن على جزء كبير من سوق التعليم العالي الخاص في تونس من خلال عدد من مؤسسات التعليم العالي الخاصة أبرزها الجامعة المركزية.

توسّع نفوذ بن تركية إثر انضمامه إلى شبكة “هونوريس” التي تضمّ أكثر من 71 ألف طالب في 70 مؤسسة جامعية ومركز تعليمي ودروس افتراضية، عبر 10 دول أفريقية و32 مدينة. فكيف تمكّن من الولوج إلى الجنّة الضريبيّة القبرصيّة التي تعدّ مغسلة للأموال الملوثة؟

الكاتب : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي لموقع الكتيبة

صلاح بن تركية رجل أعمال قد لا يبدو اسمه مألوفا لدى عدد كبير من التونسيين.ـات، إلا أنّه تمكّن بمعيّة زوجته شادية القسوري من بناء إمبراطورية تهيمن على جزء كبير من سوق التعليم العالي الخاص في تونس من خلال عدد من مؤسسات التعليم العالي الخاصة أبرزها الجامعة المركزية.

توسّع نفوذ بن تركية إثر انضمامه إلى شبكة “هونوريس” التي تضمّ أكثر من 71 ألف طالب في 70 مؤسسة جامعية ومركز تعليمي ودروس افتراضية، عبر 10 دول أفريقية و32 مدينة. فكيف تمكّن من الولوج إلى الجنّة الضريبيّة القبرصيّة التي تعدّ مغسلة للأموال الملوثة؟

عائلة بن تركيّة.. رحلة الحصول على جوازات السفر الذهبية

تمنح الجنسية القبرصية الأشخاص الذين يتمتّعون بها امتيازات عديدة داخل الفضاء الأوروبي وخارجه، ورغم أن تكلفتها مرتفعة وتصل إلى 2.5 مليون يورو للشخص الواحد دون احتساب عمولات مكاتب المحاماة وغيرها من المبالغ التي قد تدفع في شكل رشاوى وهبات إلا أنها تجذب الكثيرين لسرعة إجراءاتها.

لم تكن الطريق إلى جوازات السفر الذهبية بالنسبة إلى صلاح بن تركية وعائلته المتكونة من زوجته شادية القسوري وابنتيه آمنة وسارة طويلة مقارنة بالطيب البياحي رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات إذ لم تستغرق سوى سنة وبضعة أشهر.

تمثّلت المرحلة الأولى في تأسيس شركة تحمل اسم “أدليوما ترايدينغ ليميتد” (Adlioma trading Limited) في قبرص، في فيفري/شباط 2016، تؤكد وثائق تأسيسها التي اطلعنا عليها أن بن تركية يمتلك اليوم 20% من رأس مالها البالغ 500 ألف يورو.

تبيّن هذه الوثائق كذلك أنه من المسؤولين الإداريين بـ”أدليوما ترادينغ ليميتد” شركة قبرصية أخرى تحمل اسم “بي آند إل فايدس ليميتد” (P&L FIDES LIMITED)، وهذه الأخيرة تمّ تأسيسها من قبل مكتب المحاماة القبرصي “بابادوبولوس ليكورغوس آند كو” (Papadopoulos Lycourgos & Co).

نفس مكتب المحاماة المذكور آنفا كان أيضا همزة الوصل بالنسبة إلى الطيب البياحي وعائلته في طريق الحصول على الجنسية القبرصية التي تفتح الباب لملاذ ضريبي يعتقد العديد من المجرمين أنه آمن.

مثّلت هذه الشركة نقطة مهمة في مسار الحصول على جوازات السفر الذهبية، إذ أنها فتحت المجال أمام بن تركية لشراء العقارات في قبرص، وهي خطوة أساسية في طريق الوصول إلى الجنسية الأوروبية، فضلا عن تسهيل قيامه بالتحويلات المالية حول العالم.

في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، كان كلّ من صلاح بن تركية وزوجته شادية القسوري قد تقدّما بطلب رسمي إلى السلطات القبرصية للحصول على جوازات السفر الذهبية بحسب ما تكشفه الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة. لم يتأخر ردّ السلطات القبرصية الذي جاء ايجابيا يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 2016.

بعد حوالي الشهرين، تقدّمت كلّ من آمنة وسارة بن تركية، ابنتا صلاح بن تركية، بطلب للحصول بدورهما على جوازات السفر الذهبية في 20 فيفري/ شباط 2017، لتصدر السلطات القبرصية قرارها بالموافقة على هذه المطالب بعد 5 أشهر في موفى جوان/ حزيران 2017.

اقتحم صلاح بن تركية مجال التعليم العالي الخاص عندما أسس رفقة شادية القسوري في عام 1993 المعهد المغاربي للعلوم الاقتصادية والتكنولوجية “IMSET” قبل أن يقوما بتأسيس “الجامعة المركزية” سنة 2001. كما تمّ بعث أكاديمية قرطاج للفنون في 2008 كجزء من مجموعة “الجامعة المركزية”.

لم تبدأ إمبراطورية بن تركية في التوسع إلا بعد أن عقد وزوجته اتفاق شراكة مع “أكتيس” في 2014 -وهي شركة استثمارات بريطانية خاصّة تنشط في مجالات التنمية التحتية المستدامة في بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية- إلى جانب عدد من الشخصيات القادمة من دول أفريقية مثل جنوب أفريقيا والمغرب إلخ.

نشأت عن هذه الشراكة منصة أطلقت عليها تسمية “هونوريس يونايتد يونيفرسيتيز” (Honoris United Universities) تمّ من خلالها بعث مؤسسات جامعية في عدد من دول القارة الأفريقية وهي جنوب أفريقيا وجزر الموريس ونيجيريا والمغرب بالإضافة إلى تونس، عبر شركة “هونوريس هولدينغ ليميتد”، وهي شركة محدودة بالأسهم تمّ إحداثها في 31 جويلية/تموز 2014 بجزر الموريس تمسك مجموعة شركات متفرّعة عنها ناشطة في مجالات اقتصادية متعددة أهمها التعليم العالي الخاص والتكوين (التدريب) المستمرّ.

شرع بن تركية وشركاؤه في اقتناء عدد من مؤسسات التعليم العالي الخاص التونسية تحت لواء “هونوريس يونايتد يونيفرسيتيز” فانضمت إلى المنصة في 2018 الكلية الخاصة للعلوم الطبية، تلتها المدرسة العليا الخاصة للهندسة والتكنولوجيا Esprit في ديسمبر 2020.

يكشف مجلس المنافسة، في التقرير الذي أعدّه بمناسبة إبداء رأيه في مشروع عملية تركيز اقتصادي بين شركة “هونوريس هولدينغ ليميتد” وشركة المدرسة العليا الخاصة للهندسة والتكنولوجيا، بتاريخ 18 أوت 2020، تحصّل موقع الكتيبة على نسخة منه، أن العدد الجملي للمؤسسات الجامعية المتحصّلة على ترخيص لممارسة النشاط في سوق التعليم الخاص إلى حدود سنة 2019 يبلغ نحو 76 مؤسسة.

وتؤمّن هذه المؤسسات، وفق التقرير ذاته، التدريس في مختلف المجالات لفائدة 33462 طالب.ـة مسجّل.ـة من بينهم/هن 4691 طالب.ـة أجنبي.ـة معظمهم/هن من الطلبة الأفارقة جنوب الصحراء. وينتمي 16,4% من هؤلاء الطلبة إلى الجامعة المركزية (5487 طالب.ـة) و17% منهم/هن إلى المؤسسات التابعة للمدرسة العليا الخاصة للهندسة والتكنولوجيا (5698 طالب.ـة).

ويبرز مجلس المنافسة في تقريره أنّ نصيب المؤسسات التابعة لكلّ من الجامعة المركزية والمدرسة العليا الخاصة للهندسة والتكنولوجيا يتجاوز 30% من العرض الجملي في سوق التعليم العالي الخاص وجزء من الأسواق المتفرّعة عنها.

ويخلص المجلس إلى اعتبار أنّ عملية التركيز ستؤدي إلى خلق وضعية هيمنة اقتصادية وجمع لحصص سوقية نظرا إلى أنّها ستمكّن شركة “هونوريس هولدينغ لميتد” من مضاعفة نصيبها الجملي من سوق التعليم الخاص ليصل إلى حدود 33% بعد أن كان لا يتجاوز 16%. ويمكن أيضا أن تنجرّ عن عملية التركيز آثار أفقية سلبية على المنافسة.

تتراوح الكُلفة السنوية لتسجيل الطالب.ـة التونسي.ـة في المؤسسات التابعة للجامعة المركزية بين 6000 و12000 دينارا تونسيا، بحسب الاختصاص الذي يتمّ اختياره. ويرتفع هذا المبلغ بالنسبة الى الطلبة الأجانب حيث يكون بسعر أرفع بكثير.

على سبيل المثال، الطالب.ـة الأجنبي.ـة الذي يرغب في دراسة العلوم السياسية عليه أن يدفع 3500 يورو (حوالي 11 ألف دينار تونسي). علما أن معلوم الدراسة يرتفع بـ5% سنويا بالنسبة الى الطلبة التونسيين.ـات والأجانب/الأجنبيات.

يبلغ عدد الطلبة المسجّلين.ـات في هذه المؤسسات ما لا يقل عن الـ7000 طالبا.ـة. وبالتالي، يمكن القول إنّ الجامعة المركزية بكافة مؤسساتها تجني سنويا ما يقارب الـ56 مليون دينارا (17,4 مليون دولارا أمريكيا) باحتساب معدّل سنوي 8000 دينار (حوالي 2465 دولار) للطالب.ـة، دون احتساب معاليم التسجيل في بقية المؤسسات المنضوية تحت لواء “هونوريس يونايتد”.

في سياق متّصل، كشف أحمد (اسم مستعار)، وهو أستاذ قام بالتدريس في الجامعة المركزية في 2015، أنه لم يكن يتقاضى إلا 23 دينارا (7 دولارات) للساعة الواحدة. ويضيف أنه كان يتلقى أجره كلّ 3 أشهر وأحيانا كان يتم تأخير سداد راتبه، مشيرا إلى أن الأمور الإدارية في الجامعة لم تكن جيّدة خاصة إزاء الطلبة الذين/اللواتي كانوا/كنّ يتأخرن في سداد قسط ما حيث يتمّ حرمانهم/ن من إنجاز الامتحانات، وهو ما اعتبره تعسّفا يسلّط على حقوق الطلاب والطالبات.

في المقابل، تكشف معطيات جبائية تحصّل عليها موقع الكتيبة أنّ صلاح بن تركية لم يصرّح إلا بـ5000 دينار تونسي كدخل سنوي في 2012 و2013 تباعا مقابل كراء محلّات.

خلال سنتي 2012 و 2013 لم يدفع بن تركية كضرائب للدولة التونسية سوى 160 دينارا نظير عائدات معاليم الكراء التي صرح بها. وبداية من سنة 2014 صرح المعني بالأمر بدخل سنوي جديد لقاء رواتب قال انه يتلقاها قيمتها الاجمالية 14.124 دينار في ذلك العام.

وفي 2015 قام بالتصريح بـ269 ألف دينار كرقم معاملات وبرّرها بإحداث مكتب للدراسات موجه إلى التصدير في العام ذاته.

واجه صلاح بن تركية مصاعب قضائية في السنوات الأولى بعد الثورة في تونس. بيد أن القضية المتعلقة به والتي تحصل موقع الكتيبة على رقمها حفظت في سنة 2012 وذلك وفق أرشيفه القضائي الذي تحصلنا عليه.

شبكة معقدة من الشركات

على صعيد آخر، أسّس بن تركية شبكة من الشركات المرتبطة بنشاطه داخل تونس وخارجها. إذ أنه وزوجته كانا من بين الشركاء المؤسسين لشبكة الجامعات الخاصة “هونوريس يونايتد يونيفرسيتيز” (Honoris United Universities) التابعة لشركة “هونوريس هولدينغ ليميتد”.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ إحداث هذه الشبكة كان قد تمّ بموجب اتفاقية شراكة مع شركة الاستثمارات البريطانية “أكتيس” التي تواجه بدورها شبهات عديدة منذ إحداثها في 2004 من قبل مجموعة “سي دي سي” البريطانية بهدف جذب رأس المال الخاص إلى الاقتصادات الناشئة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وكان مسؤولون بريطانيون قد انتقدوا إحداث “أكتيس” ومن ثمّ بيع أسهم الدولة البريطانية إلى مديري المؤسسة المحدثة في 2004 (60% من الأسهم)، ومن ثمّ في 2012 (الـ40% من الأسهم المتبقية). وفي بداية 2007، اكتشف الصحفي البريطاني ريتشارد بروكس استفسارا مغمورا في مذكرة موجهة إلى لجنة الحسابات العامة بشأن إدارة الحكومة للمساهمات في شركة إدارة أموال ذات قيمة عالية ولكن لم يسمع أحد بها من قبل تدعى “أكتيس”.

وكتب بروكس بعد ذلك سلسلة من المقالات التي نشرت في المجلّة البريطانية “برايفيت آي” (Private Eye) سلّط فيها الضوء على بيع إحدى أهم مؤسسات تنمية الأعمال الدولية إلى مديري المنظمة ذاتها مقابل جزء بسيط من قيمتها، وتحويل هيئة تنمية فعالة إلى آلة توفر أموالا وفيرة لفائدة المديرين التنفيذيين على حساب فقراء العالم.

في أوت/آب 2020، أمرت محكمة محلية هندية شرطة دلهي بتسجيل قضية جنائية والتحقيق في التورط المزعوم لشركة أكتيس و12 آخرين في قضية الغش والتآمر الإجرامي وغسيل الأموال، على خلفية شكاية تقدّم بها شريك سابق في شركة “سوبر ماكس ال تي دي” (Super-Max Ltd) ادعى فيها أن “أكتيس” خططت للسيطرة على الشؤون الإدارية والمالية للشركة.

قبل ذلك، كانت المجلّة البريطانية “بريفيت آي” قد كشفت كيفية تهرّب الشركة الأسترالية “مينرال ديبوزيتس ال تي دي” (Mineral Deposits Ltd)، التي تقوم باستخراج الذهب من السنغال والتي تتلقى أموالا للاستثمار من شركات استثمار من بينها “أكتيس”، من دفع الضرائب من خلال تحويل أرباحها إلى جزر الموريس.

وكان تحقيق آخر نشره موقع “فاينانس آنكوفرد” (Finance Uncovered) قد كشف أنّ “أكتيس” تمكّنت من جني أرباح بقيمة 129 مليون دولار أمريكي من خلال بيعها لشركة توزيع الكهرباء بأوغندا “يوميم” (Umeme) والتي كانت الشركة البريطانية قد اشترتها في 2004 بعد خوصصتها من قبل السلطات هناك.

في 2012 بدأت “أكتيس” تخطط لمغادرة أوغندا وقامت على مدى 4 سنوات ببيع مجموعات من أسهم “يوميم” في البورصة الأوغندية لتغادر هذه الأخيرة نهائيا في 2016. ورغم المبلغ الكبير الذي ربحته “أكتيس”، إلاّ أنّ أوغندا لم تتلقّ أيّ ملّيم في ضريبة أرباح رأس المال.

وبيّن التحقيق أن “أكتيس” كانت قد اعتمدت تقنية بسيطة جدا يستعملها كبار المستثمرين الأجانب عند شراء أصول في بلد آخر. إذ أنّ الشركة البريطانية كانت قد وضعت أسهمها في “يوميم” في شركة أخرى في جزر الموريس، وبالتالي فإنّ الأسهم التي باعتها على مدى 4 سنوات كانت موريسية، لذلك لم تكن هناك ضريبة على أرباح رأس المال مستحقة في أوغندا.

وتسمّى تقنية استخدام ملاذ ضريبي لامتلاك أسهم، وفق التحقيق ذاته، “التحويل الخارجي غير المباشر”. تقنية يبدو أنّ صلاح بن تركية لجأ إليها عندما بدأ شراكته مع “أكتيس” لإحداث شبكة “هونوريس يونايتد يونيفرسيتي”.

شركة “هونوريس هولدينق ليميتد” المحدثة وفقا للقانون التجاري لجزر الموريس، تنشط في تونس، بحسب تقرير مجلس المنافسة، عبر شركتين فرعيتين: الأولى “هونوريس تونيزيا ليميتد” الموجودة في جزر الموريس والمالكة لجزء من رأس مال شركة الجامعة المركزية. وأمّا الثانية فهي شركة “هونوريس هولدينق فرع تونس” التي تمّ إنشاؤها في تونس سنة 2016 كفرع لشركة أجنبية (وهي “هونوريس هولدينق ليميتد”).

جدير بالذكر أنّ وثائق إحداث الشركة التي تحصّلنا عليها تبرز أنّ “هونوريس هولدينغ ليميتد” كانت تحمل سابقا تسمية “إمرجينغ ماركتس نولدج هولدينغس ليميتد” (Emerging Markets Knowledge Holdings Limited)، في حين كانت “هونوريس هولدينق فرع تونس” قد تأسّست تحت اسم “إمرجينغ ماركت ناولدج هولدينق فرع تونس”.

من بين المديرين المعيّنين في شركة “هونوريس هولدينق ليميتد”، الشركة الأمّ في جزر الموريس، يبرز اسم “كيشور سونيل بانيمانذب” (Kishore Sunil Banymandhub). يرتبط اسم الرجل بالعديد من الشركات، بعضها متفرّع عن “هونوريس” و”أكتيس” وبعضها الآخر منفصل عنها تماما.

تمكّن موقع الكتيبة بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود “OCCRP” من الحصول على معلومات بشأن بانيمانذب الذي تبيّن أنه يعمل في مجال إدارة المشاريع والشركات في جزر الموريس.

اللافت أنّ العنوان البريدي الذي تعتمده شركة “هونوريس هولدينغ ليميتد”، إلى جانب الشركات المتفرّعة عنها، يظهر كعنوان لشركة مسجّلة في برمودا وقع ذكرها في تسريبات “بارادايز بايبرز” وهو تحقيق استقصائي أنجزه الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (آي سي آي جي) بمشاركة وسائل إعلامية من مختلف أنحاء العالم كشف الطريقة التي يعتمدها أثرياء العالم لإخفاء أرباحهم في حسابات مخفية في جنات ضريبية موزعة في مناطق مختلفة من العالم.

هذا الأمر يشير إلى أن القائمين على هونوريس هولدينغ يستغلّون الآليات ذاتها التي تعتمدها شركات عديدة بهدف التهرّب الضريبي وإخفاء الأرباح.

حاول موقع الكتيبة الاتصال بصلاح بن تركية أكثر من مرّة إلاّ أنّه لم يردّ على اتصالاتنا. وقد تمكّنا من الاتصال هاتفيا في مناسبتين عبر رقمين مختلفين بزوجته شادية القسوري التي كانت تعهدت في كلا المرّتين بتحديد موعد لعقد لقاء معهما ومواجهتهما بهذه المعطيات إلاّ أنّ ذلك لم يقع ولم تُعد القسوري الاتصال بنا.

قبرص… ملاذ آمن للتهرّب الضريبي وتبييض الأموال

قام الاتحاد الأوروبي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بمباشرة إجراءات قضائية ضدّ قبرص ومالطا على خلفية برامج منح “جوازات السفر الذهبية” لمستثمرين أجانب أثرياء، معتبرا أنها غير قانونية.

وراسلت المفوضية الأوروبية قبرص ومالطا للمطالبة بتوضيحات بشأن المسألة، محذرة من أنّ هذه البرامج تزيد من مخاطر غسل الأموال والتهرّب الضريبي والفساد.

وتفيد دراسة صدرت في 2018 تحت عنوان “الملاذ الأوروبي: داخل العالم الغامض لجوازات السفر الذهبية” (European Getaway: Inside the Murky World of Golden Visa)، أعدّتها منظمتا “الشفافية الدّولية” (Transparency International) و”غلوبال ويتنس” (Global Witness)، أنّ قبرص لا تأخذ في عين الاعتبار مصادر الأموال أو الثروات عند النظر في الطلبات المقدّمة إليها والمتعلّقة ببرنامج جوازات السفر الذهبية. وتعتبر الدراسة أنّ مثل هذه البرامج جاذبة بطبيعتها للمجرمين والفاسدين.

في هذا السياق، توضّح منسّقة الحملات بمنظمة الشفافية الدّولية إيكا روستوماشفيلي، لموقع الكتيبة، أنّ برنامج جوازات السفر الذهبية القبرصي مثّل على مدى 13 سنة الوسيلة الأسرع للحصول على الجنسية الأوروبية رغم إدخال بعض التعديلات عليه في 2018 (أصبحت مدة الانتظار بموجب هذه التغييرات 6 أشهر). وكانت هذه المسألة أكثر نقطة جذابة في البرنامج.

وتضيف روستوماشفيلي أنّ تكلفة هذا البرنامج كانت الأعلى حيث بلغت قيمته حوالي 2.5 مليون يورو على الأقل، إلا أنّ فوائده فاقت تكاليفه حيث وقع تجنيس أكثر من 3 آلاف شخص خلال سنوات تفعيل البرنامج.

عديد وكلاء القطاع الخاص الجدّ متحمّسين ومسؤولين بالدولة كانوا يغضّون النظر عن السجلات المشبوهة للأشخاص الذين تقدموا بمطالب للبرنامج ولم يطرحوا أسئلة كثيرة حولهم وقبلوا أموالا مصدرها غير معروف.

إيكا روستوماشفيلي

وتضيف أنّ مكتب التدقيق بقبرص وجد بدوره عدّة مخالفات في كيفية معالجة الطلبات المقدمة في إطار برنامج جوازات السفر الذهبية حيث أنّ المكتب وجد شكوكا عقلانية تفيد أنه في عدّة حالات كان الأفراد المذكورين في طلبات التقدّم للبرنامج مُعالين، أي أنهم يمثلون في الواقع فردا من عائلات بعض المستثمرين الذين يودّون إخفاء هوياتهم.

هذا النوع من الإجراءات كان يتمّ اتباعه لإخفاء الهويات الحقيقية للمتقدمين بمطالب للحصول على جوازات السفر والذين قد يكون لديهم خلفيات مشبوهة أو تحقيقات ضدّهم في بلدانهم.

وتشير كذلك إلى حالات تدخّل لفائدة عدد من المستثمرين لتسريع الإجراءات وهي من المسائل التي كشف عنها مكتب التدقيق عندما قام بتحقيقاته في هذا الشأن.

وتردف بالقول إنّ أحد المواضيع التي تهمّ منظمة الشفافية الدّولية هو قيام مسؤولين ببعض الدول بنهب ثروات بلدانهم من خلال الحصول على أموال أو اختلاس ميزانيات الدولة ومن ثمّ التوجه إلى ملاذات آمنة لهم ولأموالهم، وهو ما دفع منظمة الشفافية الدّولية إلى الاهتمام ببرامج جوازات السفر الذهبية حيث تسعى المنظمة إلى غلق هذه الملاذات أمام الفاسدين من خلال الحملات التي تقوم بها.

عن الأسباب التي تدفع بعض رجال الأعمال إلى اللجوء إلى برنامج جوازات السفر الذهبية رغم كلفته المرتفعة، تقول روستوماشفيلي:

إنهم يريدون استراتيجية تمكّنهم من المغادرة عبر جواز سفر أوروبي عندما تسوء الأمور بالنسبة إليهم في بلدانهم خاصة أن تحقيق “أوراق قبرصية” أماط اللثام عن وجود بعض الأسماء المتّهمة في بلدانها بالرشوة أو تهم أخرى. وكشف التحقيق أيضا عن كيفية تغيير أسماء بعض الشخصيات في جوازات السفر وذلك يعني أنّ هؤلاء الأفراد تحصّلوا على هويات جديدة.

إيكا روستوماشفيلي

في سياق متّصل، توضّح منسقة الحملات بمنظمة العفو الدولية أنّ قبرص تمثّل مركزا مهمّا لتكوين الشركات وصناديق الائتمان لا في الاتحاد الأوروبي فقط وإنما على الصعيد العالمي، وهو ما من شأنه أن يزيد من مخاطر تبييض الأموال هناك، علاوة على أنّ الشركات القبرصية كثيرا ما تظهر في التحقيقات الكبرى المتعلّقة بقضايا الفساد المالي.

وتستدرك بالقول إنّ فتح شركة في قبرص لا يستوجب أن تكون قبرصيا باعتبار أنّ هناك عددا كبيرا من حصص الشركات وصناديق الائتمان تعود إلى أشخاص غير مقيمين مما يزيد من مخاطر تبييض الأموال وفق تقييم لمجموعة العمل الدولي.

وتشير روستوماشفيلي إلى أنّ الشركات الواجهة يُمكن أن تُستخدم لعدّة أسباب وليست دائما غير قانونية، مضيفة “لكن ما رأيناه مثلا في حالة قبرص وبرنامج جوازات السفر الذهبية يتم استغلال الشركات عادة لشراء عقارات أو القيام بتحويلات أخرى. يمكن للشركات أن تملك أنواعا مختلفة من الأصول في العالم”، وفق تصريحها لموقع الكتيبة.

التدفقات المالية غير المشروعة… خسائر بملايين الدولارات لتونس

تفيد دراسة بعنوان “كبح التدفقات المالية غير المشروعة في تونس“، أعدّها معهد الدراسات الأمنية ISS، أن تونس تخسر حوالي 1.2 مليار دولار أمريكي سنويا بسبب التدفقات المالية غير المشروعة. تتضمّن هذه التدفقات التحويل غير المشروع للأموال المكتسبة بشكل غير قانوني.

وشكّلت التدفقات المالية غير المشروعة، في 2015 نحو 2.6 مليار دولار (11.4%)، والتدفقات المحولة إلى الخارج 1.28 مليار دولار (5.6%) من التجارة التونسية، بحسب الدراسة ذاتها.

في هذا الإطار، يذكّر مصدر من البنك المركزي التونسي، طلب عدم الإفصاح عن هويته، أنه يحق لرجال الأعمال المقيمين في تونس تحويل الأموال إلى الخارج إلا أنّ الأمر يختلف عندما يتعلّق الأمر بشخص مقيم في تونس ولديه جامعة خاصة تحتضن طلبة أجانب يأتون ويدرسون في تونس حيث يجب أن تدخل الأموال إلى البلاد التونسية.

وينصّ الفصل 16 من مجلّة الصرف أنه “على كلّ تونسي مقيم عادة بالبلاد التونسية وكل شخص معنوي تونسي وكذلك كلّ شخص معنوي أجنبي بالنسبة لمؤسساته الموجودة بالبلاد التونسية أن يصرّح للبنك المركزي التونسي بجميع مكاسبه بالخارج في أجل مدّته ستة أشهر ابتداء من تاريخ إصدار هذه المجلّة (القانون) أو من تاريخ الحصول على تلك المكاسب إذا وقع ذلك بعد تاريخ صدور هذه المجلّة”.

كما ينصّ الفصل 15 من الدستور التونسي الجديد المصادق عليه بعد الاستفتاء الشعبي في سنة 2022 على أنّ “أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب على كلّ شخص على أساس العدل والإنصاف. وكلّ تهرّب ضريبي يُعتبر جريمة في حق الدولة والمجتمع”.

وفيما يتعلّق بوجود مجموعة من الشركات في جزر الموريس، يبيّن المصدر نفسه بالبنك المركزي أنّ الشركات التي تضمّ محامين أو خبراء محاسبين يتمّ عادة تبييض الأموال فيها من خلال عملية تركيب مالي.

ويؤكد ضرورة أن يصرّح صاحب هذه الشركات بها لدى البنك المركزي خاصة بالنسبة إلى المقيمين في تونس والذين لهم أسهم في شركات في الخارج، مشيرا إلى أنه يفسّر اختيار بعض رجال الأعمال التوجه إلى قبرص للحصول على جوازات سفر ذهبية برغبتهم في الانتفاع بالتركيب المالي الذي ذكره آنفا.

إنّ المسألة في هذه الحالة لم تعد تتعلّق بجنة أو ملاذ ضريبي باعتبار أن الجنة الضريبية لا تعني غسيل الأموال بل تدلّ على وجود تهرّب ضريبي وهو ما لا يمثل جناية ومالا فاسدا فقط، بل بات الأمر متعلّقا بوجود مكان تقلّ فيه الرقابة في علاقة بتبييض الأموال بلا حدود.

مصدر من البنك المركزي

ويضيف مصدرنا أنّ اختيار التوجه إلى قبرص هو خيار تمّ التفكير فيه جيّدا لأنه يخدم مصلحة الشبكة المكونة للشركات على اعتبار أنّ الأمر عادة مرتبط بشبكة لا بأفراد.

في الوقت الذي تعقد فيه تونس اتفاقا مع صندوق النقد الدولي لمنحها تمويلا بقيمة تقارب 1.9 مليار دولار على مدى 48 شهرا مقابل برنامج إصلاحات من شأنه أن يؤثر في سير الحياة المعيشية للمواطنين.ـات، تقف الدولة عاجزة عن اتخاذ أي إجراءات فعليّة من شأنها استعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة من تونس رغم مرسوم الصلح الجزائي الذي أصدره رئيس الجمهورية قيس سعيّد في 21 مارس/ آذار 2022.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا التحقيق ضمن سلسلة تحقيقات استقصائيّة ينشرها موقع الكتيبة تباعا تحت عنوان " تونسّيون في مغسلة الأموال القبرصيّة" بالشراكة مع مشروع الابلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد العابر للحدود OCCRP.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا التحقيق ضمن سلسلة تحقيقات استقصائيّة ينشرها موقع الكتيبة تباعا تحت عنوان " تونسّيون في مغسلة الأموال القبرصيّة" بالشراكة مع مشروع الابلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد العابر للحدود OCCRP.

الكاتب : رحمة الباهي

الكاتب : محمد اليوسفي

اشراف: وليد الماجري
غرافيك: منال بن رجب
بودكاست: حمزة الفزاني
فيديوغراف وتطوير تقني: بلال الشارني
بودكاست: حمزة الفزاني
فيديوغراف وتطوير تقني: بلال الشارني
اشراف: وليد الماجري
غرافيك: منال بن رجب

الكاتب : رحمة الباهي

الكاتب : محمد اليوسفي

rahma
Youssoufi