لم ينجح البنك المركزي الليبي في طرابلس في تفسير اختفاء ما قيمته 4.8 مليار دولار من الأوراق النقدية المحلّية بالدينار من شركة طباعة بريطانية، وفق مراجعة مالية مسرّبة، ممّا أثار تساؤلات حول مصير هذه الأموال.

في الأثناء، تعاقد بنك مركزي تُسيطر عليه الحكومة المنافسة في شرق ليبيا مع شركة روسية مملوكة للدولة لطباعة عملتها الموازية بتكلفة باهظة، تاركا تلك الإدارة غارقة في الديون لأن الأموال لم تكن مدعومة بالذهب أو أيّ ضمانات أخرى.

جاءت هذه النتائج في تقريرين “سرّيين” يستعرضان أنشطة البنكين المركزيين الموجودين على طرفي النزاع الليبي المتعارضين، واللذين أعدّتهما شركة المحاسبة العالمية “ديلويت” (Deloitte) وحصل على نسخة منهما مشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP).

لم ينجح البنك المركزي الليبي في طرابلس في تفسير اختفاء ما قيمته 4.8 مليار دولار من الأوراق النقدية المحلّية بالدينار من شركة طباعة بريطانية، وفق مراجعة مالية مسرّبة، ممّا أثار تساؤلات حول مصير هذه الأموال.

في الأثناء، تعاقد بنك مركزي تُسيطر عليه الحكومة المنافسة في شرق ليبيا مع شركة روسية مملوكة للدولة لطباعة عملتها الموازية بتكلفة باهظة، تاركا تلك الإدارة غارقة في الديون لأن الأموال لم تكن مدعومة بالذهب أو أيّ ضمانات أخرى.

جاءت هذه النتائج في تقريرين “سرّيين” يستعرضان أنشطة البنوك المركزية الموجودين على طرفي النزاع الليبي المتعارضين، واللذان أعدّتهما شركة المحاسبة العالمية “ديلويت” (Deloitte) وحصل على نسخة منهما مشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP).

طلبت الأمم المتحدة إعداد التقارير في 2018 بناء على توصية من رئيس الوزراء الليبي في ذلك الوقت فايز السرّاج. وقد اعتبر السرّاج – الذي تولّى منصبه في 2015 بموجب عمليّة سلام تدعمها الأمم المتّحدة، أنّ هذه المراجعات المالية “وسيلة لاستعادة النزاهة والشفافية والثقة في النظام المالي الليبي”، بحسب ما أشار إليه التقريران.

ويبرز هذان التقريران أن السرّاج أراد منها أيضا “تهيئة الظروف اللازمة لتوحيد المؤسسات الماليّة الليبية”.

أدّت الحرب الأهليّة في ليبيا إلى إحداث إدارات متنافسة قامت بتقسيم المؤسسات العامة، بما في ذلك البنوك المركزية، مع ادعاء كلّ واحدة منها أنها تتمتّع بالشرعية. وتكشف هذه المراجعات، التي تغطّي الفترة الممتدّة من 2014 إلى 2020، عن انتهاكات محتملة للوائح من قبل البنوك المركزية على جانبي الصراع.

أموال مفقودة

في 2012، فازت شركة “دو لا رو” (De La Rue)، ومقرّها المملكة المتّحدة، بمناقصة أجراها البنك المركزي في طرابلس لطباعة عملتها وفقا لأحد التقريرين.

يبيّن التقرير أنّه تمّ تعديل هذا العقد مرّتين في السنوات التالية، بما فيها مرّة واحدة دون تفويض من مجلس إدارة البنك. وتطلّبت التعديلات من شركة “دو لا رو” بزيادة مقدار طباعتها للدينار الليبي، بما يعادل مئات الملايين من الدولارات الأمريكية.

أظهرت المستندات التي قدّمها مصرف طرابلس المركزي تباينا كبيرا في المبلغ الذي كان يجب أن تتلقّاه المؤسسة وفقا لعقودها مع “دو لا رو” والمبلغ المدرج في الإيصالات التي أصدرها.

“اكتشفت شركة “ديلويت” أنّه لم يتمّ احتساب 6.5 مليار دينار ليبي من الأموال التي طبعها البنك المركزي بطرابلس”

اكتشفت شركة “ديلويت” أنّه لم يتمّ احتساب 6.5 مليار دينار ليبي (حوالي 4.8 مليار دولار) في الوثائق.

قال المختصّ في الاقتصاد السياسي بجامعة جوهانسبرغ باتريك بوند إنّ هذه المراجعة الماليّة قد تشير إلى اكتشاف “ديلويت” لخسائر فادحة في العملة. وأضاف أن النتيجة – إذا ثبتت صحّتها – يمكن أن تظهر “ممارسات مشكوك فيها” من جانب “دو لا رو” التي لديها عقود طباعة عملات مع أكثر من 10 بنوك مركزيّة في إفريقيا.

قال المتحدّث باسم “دو لا رو”، ستيوارت دونيلي من شركة العلاقات العامّة “براونسويك غروب” (Brunswick Group)، لـOCCRP “الردّ نيابة عن الشركة ليس تعليقا”.

قال أندرو فاينتستين، المدير التنفيذي لمجموعة مكافحة الفساد “شادو وورد انفستيغايشونز” (Shadow World Investigations)، ومقرّها لندن، إن التقرير يثير سؤالا مهمّا وهو “أين ذهبت النقود المطبوعة؟”.

لم تستجب وزارة المالية ولا المصرف المركزي في طرابلس لطلبات التعليق المرسلة إليهم عبر البريد الالكتروني، وكانت أرقام الهواتف المذكورة في المواقع الالكترونية خارج الخدمة. كما لم يعمل عنوان البريد الالكتروني المدرج لجهة الاتصال الصحفي لرئيس الوزراء الليبي.

وقد أشارت شركة ديلويت إلى أن النتائج التي توصّلت إليها كانت محدودة نتيجة الظروف المحيطة بأبحاثها.

وجاء في نصّ التقرير “خلال مراجعتنا الماليّة واستنادا إلى الوثائق التي قدّمها لنا البنكان المركزيان، لم نكن في وضع يسمح لنا باتخاذ أي استنتاج أو تحديد ما إذا كان قد حدث أي احتيال أو اختلاس للأصول”.

عملة موازية

لم يكن أداء البنك المركزي الذي تسيطر عليه الحكومة المنافسة في شرق ليبيا أفضل حالا بحسب ما جاء في المراجعة المالية الخاصّة به.

يدير هذه المنطقة خليفة حفتر، الذي يقود ميليشيا قويّة تُسمّى الجيش الوطني الليبي، وهو معارض للحكومة في طرابلس. كما تسيطر إدارة حفتر على الفرع السابق للبنك المركزي الليبي في مدينة البيضاء الشرقية.

بين عامي 2016 و2020، تعاقد البنك المركزي في البيضاء مع شركة “جوينت ستوك – غوزناك” (Goznak) التي تملكها الدولة الروسية لطباعة نسخته الخاصّة من الدينار الليبي. تقاضت “غوزناك” أكثر من 121 مليون دولار مقابل الطباعة وخدمات الشحن.

يبدو أن عقد الطباعة قد حقّق أرباحا ضخمة لشركة غوزناك، التي فرضت على البنك المركزي بالبيضاء دفع حوالي 6 دولارات لكلّ ورقة نقدية، بحسب ما أظهرته حسابات قام بها OCCRP بناء على المعلومات الواردة في المراجعة المالية. عادة ما تكلّف الأوراق النقدية الحكومات ما بين 4 و13 سنتا لكلّ ورقة.

“تقاضت غوزناك من البنك المركزي بالبيضاء أكثر من 121 مليون دولار مقابل طباعة الأوراق النقدية وخدمات الشحن”

لم تستجب شركة غوزناك، التي تمّت معاقبتها من قبل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في 2022، لطلب عبر البريد الالكتروني للتعليق في الوقت المناسب للنشر. قال شخص ردّ على مكالمة هاتفية إن الردّ والتعليق على هذه المعطيات قد يستغرق أسابيع.

كانت هناك مشكلة أخرى تتمثّل في أنّ إدارة حفتر لم يكن لديها إمكانية الوصول إلى الضمانات مثل احتياطيات الذهب التي يسيطر عليها بنك طرابلس المركزي. لذلك، لم تكن العملة الصادرة عن بنك البيضاء المركزي مدعومة بأي أصول ملموسة، وكانت مخالفة لقانون البنوك الليبي.

وجدت شركة ديلويت أنّ بنك البيضاء المركزي “ليس لديه أي وسيلة يمكنه من خلالها بناء عملته بما يتماشى مع المتطلّبات القانونية”.

وذكر التقرير أنّ شرق ليبيا استخدم 97% من الأموال التي طبعها لتغطية رواتب أعضاء الحكومة والقوات المسلّحة خلال سنة 2019 والنّصف الأوّل من 2020. خلال الفترة نفسها، شكّلت العملة المتداولة غير المدعومة 70% من الديون “خارج الميزانية” في شرق ليبيا، أي الديون التي لم يتمّ الكشف عنها للسلطات.

قال الأستاذ المحاضر في جامعة ييل وكبير الاقتصاديين السابق لشركة الاستشارات العالمية “ماكينزي آند كومباني”، “إذا كان هذان البنكان نصف المركزيين لا يستطيعان كبح جماح نفسيهما، وقرّرا الدفع للأجانب لطباعة كميات هائلة من العملات التي ليس لها أساس من ناحية القيمة، فسوف ينتهي بهما الأمر مثل الأرجنتين أو أي بلدان أخرى ليس لعملاتها أي قيمة”.

رفض محافظ البنك المركزي بالبيضاء السابق – الذي كان على رأس البنك خلال فترة المراجعات المالية – التعليق، ولم تكن هناك اتصالات أخرى متاحة للسلطات في شرق ليبيا.

خلصت تقارير “ديلويت” كذلك إلى أنّه نظرا لحظر النفط، تمّ استخدام مليارات الدولارات من الأدوات المالية مثل خطابات الاعتماد وسندات الخزنة لتعويم الأنظمة وحتى العملات. والكثير منها يفتقر إلى أسماء المستفدين ومعلومات الحساب المصرفي.

قال أنس القماطي، مؤسس معهد صادق، وهو مركز أبحاث يركّز على ليبيا، لـOCCRP، إنه كان ينبغي نشر التقارير على الملأ.

وأضاف أنّ “إبقاء المعلومات المالية الحيويّة التي تورّط الجماعات الفاسدة في الغرب والشرق – لكن الأهم من ذلك الفصائل السياسية التي تتنافس من أجل السيطرة والشرعية – مخفيّة عن المواطنين الذين عانوا سنوات من الفساد والصراع، هو جريمة”.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا المقال ضمن سلسلة مقالات يعكف على إنجازها موقع الكتيبة بالشراكة مع الـOCCRP حول أوجه الفساد السياسي في ليبيا التي تُصنّف وفق منظمة الشفافية الدولية ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فسادا.

كلمة الكتيبة:
يندرج هذا المقال ضمن سلسلة مقالات يعكف على إنجازها موقع الكتيبة بالشراكة مع الـOCCRP حول أوجه الفساد السياسي في ليبيا التي تُصنّف وفق منظمة الشفافية الدولية ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فسادا.