الكاتب : حفيظة شقير

أستاذة القانون العام في كلية الحقوق والعلوم السياسية في تونس، وناشطة حقوقية ونقابية.

عندما صدر المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلّق بمكافحة الجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، في 13 سبتمبر/ أيلول 2022، بدا الأمر حينها وكأنّ السلطة السياسية أرادت أن تستجيب لمطالب المجتمع المدني الحقوقي والنسوي بتجريم العنف السيبرني بصفة عامّة والموجّه ضدّ النساء خصوصا نظرا إلى تغافل القانون عدد 58 لسنة 2017، المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ النساء، على هذا النوع من العنف رغم أنّه عنف منتشر في كثير من الأوساط ويمسّ كافّة الفئات الاجتماعية.

لا تخضع الجرائم الالكترونية، شأنها شأن الجرائم السيبرانية المسلّطة على النساء، إلى أيّ قانون بما أنّ المشرّع لم يخصّص جزءا أو بابا ينظّم الجريمة الالكترونية في المجلّة الجزائية كما هو الحال بالنسبة إلى جرائم الاعتداء على النظام العام أو جرائم الإعتداء على الأشخاص.

وتمّ الاكتفاء بإصدار قوانين ومراسيم متعدّدة ومتفرّقة جرّم من خلالها أفعالا وحدّد لها عقوبات خاصّة يقع اعتمادها من قبل السلطة القضائية.

الكاتب : حفيظة شقير

أستاذة القانون العام في كلية الحقوق والعلوم السياسية في تونس، وناشطة حقوقية ونقابية.

عندما صدر المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلّق بمكافحة الجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، في 13 سبتمبر/ أيلول 2022، بدا الأمر حينها وكأنّ السلطة السياسية أرادت أن تستجيب لمطالب المجتمع المدني الحقوقي والنسوي بتجريم العنف السيبرني بصفة عامّة والموجّه ضدّ النساء خصوصا نظرا إلى تغافل القانون عدد 58 لسنة 2017، المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ النساء، على هذا النوع من العنف رغم أنّه عنف منتشر في كثير من الأوساط ويمسّ كافّة الفئات الاجتماعية.

لا تخضع الجرائم الالكترونية، شأنها شأن الجرائم السيبرانية المسلّطة على النساء، إلى أيّ قانون بما أنّ المشرّع لم يخصّص جزءا أو بابا ينظّم الجريمة الالكترونية في المجلّة الجزائية كما هو الحال بالنسبة إلى جرائم الاعتداء على النظام العام أو جرائم الإعتداء على الأشخاص.

وتمّ الاكتفاء بإصدار قوانين ومراسيم متعدّدة ومتفرّقة جرّم من خلالها أفعالا وحدّد لها عقوبات خاصّة يقع اعتمادها من قبل السلطة القضائية.

هكذا كرّس المشرّع التّونسي لأوّل مرّة الجريمة الالكترونية حين تولّى تنقيح الفصل 172 من المجلّة الجزائية الذي ينصّ على جريمة الزور بمقتضى القانون عدد 89 لسنة 1999 المؤرخ في أوت/ آب 1999 أسوة بالقانون الفرنسي الذي نصّ على جريمة التحيّل الالكتروني بالقانون عدد 19/88 الصادر بتاريخ 5 جانفي/ كانون الثاني 1988.

إثر ذلك، قام المشرّع بإصدار القانون عدد 83 لسنة 2000 المؤرخ في 9 أوت/ آب 2000 المتعلّق بالمبادلات التجارية الالكترونية والذي تضمّن في الباب السابع منه جملة من التجاوزات والعقوبات في الفصول من 43 إلى 52.

كذلك، نصّ القانون عدد 1 لسنة 2001 والمؤرّخ في 15 جانفي/ كانون الثاني 2001 والمتعلّق بإصدار مجلّة الاتصالات في فصوله 84 و85 و86 و87 على جرائم خاصّة تتعلّق باستعمال خطوط اتصالات مختلسة أو القيام بإفشاء محتويات مكالمات أو مبادلات مرسلة عبر شبكة الاتصال من غير الحالات التي يجيزها القانون.

كان من المنتظر أن ينظّم المرسوم 54 قطاع المعلومات والاتصال لكنّه ركّز خاصّة على التوقّي من الجرائم وزجرها، إذ ينصّ الفصل الأول منه على أنّه “يهدف هذا المرسوم إلى ضبط الأحكام الرامية إلى التوقّي من الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتّصال وزجرها وتلك المتعلقة بجمع الأدلّة الإلكترونية الخاصة بها ودعم المجهود الدولي في المجال”.

تعريف الجريمة الإلكترونية

يمكن تعريف الجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتّصال بأنّها كل فعل أو امتناع عن فعل يتم إعداده أو التخطيط له، يتمّ بموجبه استخدام أي نوع من الحواسيب الآليّة سواء الحاسب الشخصي أو شبكات الحاسب الآلي أو الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي لتسهيل ارتكاب جريمة أو عمل مخالف للقانون أو التي تقع على الشبكات نفسها عن طريق اختراقها بقصد تخريبها أو تعطيلها أو تحريف أو محو البيانات أو البرامج التي تحويها.

وتشمل الجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتصال جرائم الاعتداء على سلامة أنظمة المعلومات والبيانات وسرّيتها والاحتيال المعلوماتي والتدليس المعلوماتي، فضلا عن الإشاعة والأخبار الزائفة والإتاحة غير المشروعة للمصنّفات المحميّة واستغلال الأطفال والاعتداءات الجسدية في الفضاء السيبرني، إلخ.

استندنا الى تعريف الدكتور جابر غنيمي المساعد
الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد مدرس جامعي : “قراءة في المرسوم عدد 54 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 المتعلق بالجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال”.

1-المكاسب الظاهرية للمرسوم 54: احترام منظومة حقوق الإنسان

المرجعيات:

أكّد المرسوم 54 التزام السلط بالضّمانات الدستورية والمعاهدات الدولية والإقليمية والثنائية ذات العلاقة المصادق عليها من قبل الدولة التونسية والتشريعات الوطنية في مجالي حقوق الإنسان والحريات وحماية المعطيات الشخصية. ممّا يدلّ على أهمّية احترام منظومة حقوق الإنسان وخاصة التقيّد بما جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وخاصة المادة 19 في الفقرتين 1 و2.

تقرّ الفقرة الثانية من المادّة 19 أنّ لكلّ إنسان الحق في حرّية التعبير. ويشمل هذا الحقّ حرّيته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقّيها ونقلها آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فنّي أو بأيّة وسيلة أخرى يختارها.

وتحدّد الفقرة 3 شروط إخضاع هذه الحرية إلى أي تقييد حيث نص على أن: تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محدّدة بنصّ القانون وأن تكون ضرورية: أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

التعريفات:

قدّم المرسوم في الفصل الخامس عدّة تعريفات تخصّ نظام المعلومات والبيانات المعلوماتية ونظام الاتصال ومزوّد خدمات الاتصال وحركة الاتصال أو بيانات المرور وحامل معلوماتي والبرمجية وإلغاء بيانات معلوماتية.

الواجبات والإجراءات الخاصة بالجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتصال:

واجب الحفظ: حفظ البيانات المخزنة في نظام معلومات وهي البيانات التي تمكّن من التعرّف على مستعملي الخدمة، والبيانات المتعلّقة بحركة الاتصال، إضافة إلى البيانات المتعلّقة بالأجهزة الطرفية للاتصال، والبيانات المتعلقة بالموقع الجغرافي للمستعمل، علاوة على البيانات المتعلّقة بإتاحة واستغلال محتوى ذي قيمة مضافة محمي.

واجب عدم إفشاء السر المهني: عدم إفشاء السرّ المهني في كلّ ما يتعلّق بالتدابير أو الآليّات المعتمدة أو بالمعلومات والمعطيات التي تصل لعمل المكلّف بتنفيذ الأذون القضائية المتعلقة بالنفاذ إلى المعطيات المخزنة

معاينة الجرائم وتنفيذ أذون الاعتراض والنفاذ:

  • أهل الاختصاص الذين ذكرهم المرسوم: وكلاء الجمهورية ومساعدوهم
  • مأمور الضابطة العدلية
  • الأعوان الراجعون بالنظر إلى الوزارة المكلفة بالاتصال الذين منحوا بمقتضى قوانين الخاصة السلطة اللازمة للبحث في بعض الجرائم أو تحرير التقارير فيها

ما هو المطلوب؟

على مزوّدي خدمات الاتصال في إطار التزاماتهم المتعلّقة بتوفير متطلّبات الأمن العام والدفاع الوطني ومقتضيات السلطة القضائية الاستجابة لطلبات المصالح المكلفة بتلقي وتنفيذ الأذون القضائية المتعلقة بالنفاذ إلى المعطيات المخزنة بنظام معلومات أو جمع بيانات حركة اتصالات أو اعتراض الاتصالات المرتبطة بإنجاز مهامها.

لوكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق أو مأموري الضابطة العدلية المأذونين في ذلك كتابيا أن يأمروا بتمكينهم من البيانات المعلوماتية المخزّنة وحجز كامل نظام معلومات أو جزء منه أو حامل معلوماتي والتي من شأنها أن تساعد على كشف الحقيقة، إلى جانب جمع أو التسجيل الفوري لبيانات حركة اتصالات باستعمال الوسائل الفنية المناسبة.

جمع الأدلّة الإلكترونية:

مسك سجل داخلي ممضى ومرقّم يتضمّن هويات الأعوان الراجعين بالنظر المتدخّلين في عمليات النفاذ والجمع والاعتراض والمعالجة وصفاتهم وإمضاءاتهم حالة بحالة

الاعتداء على سلامة أنظمة المعلومات والبيانات وسرّيتها:

  • التعمّد دون وجه حق النفاذ أو البقاء بكامل نظام معلومات أو جزء منه
  • التعمّد دون وجه حق أو في غير الحالات التي يقتضيها البحث العلمي أو السلامة المعلوماتية إنتاج أو بيع أو توريد أو توزيع او توفير أو عرض أو الحصول على أو حيازة: جهاز أو برنامج معلوماتي صُمّم أو طوع بغرض ارتكاب الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، كلمة عبور أو رمز نفاذ أو أي بيانات معلوماتية مماثلة تمكّن من النفاذ إلى كامل نظام معلومات أو جزء منه بغرض ارتكاب هذه الجرائم
  • التعمّد دون وجه حق استخدام وسائل فنية لاعتراض بيانات اتصال بمناسبة إرسال غير موجّه للعموم داخل نظام معلومات أو انطلاقا منه أو في اتجاهه بما في ذلك ما ينبعث من نظام المعلومات من إشاعات جانبيّة ناقلة بيانات الاتصال
  • تعمّد إلحاق ضرر بيانات معلوماتية أو تغييرها أو فسخها أو إلغائها أو تدميرها
  • تعمّد اختلاس بيانات معلوماتية على ملك الغير
  • التعمّد دون وجه حق إعاقة عمل نظام معلومات بإدخال بيانات معلوماتية أو ارسالها او إلحاق ضرر بها أو تغييرها أو فسخها أو تدميرها أو باستعمال أي وسيلة إلكترونية أخرى

الجرائم المرتكبة بواسطة أنظمة أو بيانات معلوماتية:

  • الاحتيال المعلوماتي
  • التدليس المعلوماتي
  • الإتاحة غير المشروعة للمصنفات المحمية
  • الإشاعة والأخبار الزائفة

استغلال الأطفال والاعتداءات الجسدية:

  • تعمّد إنتاج أو عرض أو توفير او نشر أو إرسال أو الحصول أو حيازة بيانات معلوماتية ذات محتوى إباحي تظهر طفلا أو شخصا يبدو في مظهر طفل بصدد القيام بإيحاءات أو ممارسات جنسية أو يتعرّض لها
  • تعمّد استعمال أنظمة معلومات لنشر أو بثّ صور أو مقاطع تصويرية لاعتداء جسدي أو جنسي على الغير
  • زجر الإخلال بموجبات جمع الأدلة الإلكترونية
  • المسؤولية الجزائية للذوات المعنوية ومسيّريها
  • دعم المجهود الدولي لمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال
  • تخفيف العقوبات

2-مخاطر المرسوم: الاعتداء على حقوق الإنسان ومخالفة الدستور وأحكام الاتفاقيات الدولية والإقليمية الملزمة للدولة التونسية

خطورة الفصل 24 من المرسوم :

يتعلّق هذا الفصل بمعاقبة:

  • كلّ من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان
  • كل من يتعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر أو إشاعة أخبار أو وثائق ووثائق مصطنعة أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصية أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير او تشويه سمعته أو الإضرار به مادّيا أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية

جدير بالذكر أنّ تطبيق هذا المرسوم اقتصر على الرجوع إلى الفصل 24، الأمر الذي يطرح عدة إشكاليات.

صدر المرسوم 54 بعد المصادقة على دستور 2022 ونشره والذي اقتضى في الفصل 37 منه على أنّ “حرّية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة”.

من المفترض أن يكون المرسوم مطابقا للدستور وأن يحترم الفصل 55 الذي حدّد شروط وضع القيود على الحقوق والحرّيات حيث ينصّ هذا الفصل على أنّه: “لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام أو الصحة العامة أو حماية حقوق الغير. ويجب ألا تمس هذه القيود بجوهر الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبررة بأهدافها ومتلائمة مع دواعيها. لا يجوز لأي تنقيح أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرّياته المضمونة في هذا الدستور. وعلى كل الهيئات القضائية أن تحمي هذه الحقوق والحريات من أي انتهاك”.

من المفترض أيضا أن يحترم المرسوم 54 التزامات الدولة التونسية وخاصّة مقتضيات العهد الدولي لحقوق الإنسان. إلا أنه ضيّق مجالات هذه الحرّية ومسّ من جوهرها عوض أن يحمي الحقوق والحرّيات وفق الفصل 55 من الدستور والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

هذه الاتفاقية الملزمة للدولة التونسيّة صنّفت عديد الجرائم التي تدخل ضمن الجرائم الإلكترونية مثل استخدام وسائل تقنية المعلومات أو التزوير أو الاحتيال أو الإباحية أو الاعتداء على حرمة الحياة الخاصّة لكن دون إدراج الإشاعة والأخبار الزائفة.

علاوة على أنّ الفصل 24 يتعارض مع أحكام اتفاقية بودابست والاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات والتي انضمّت إليها تونس سنة 2010.

عمليّا، تبدو نيّة المشرّع هي تضييق الحقوق والحرّيات وخاصّة حرية التعبير، المكسب الأبرز للثورة التونسية، لنسف كل المكاسب التي تحققت منذ 2011 و لضرب كل نفس ديمقراطي وناقد للسياسة الحاكمة. حيث يعدّ الفصل 24 سيف “ديموقليس” مسلّطا على رقاب كلّ الأصوات المعارضة للسّلطة الحاليّة وتكميم أفواههم.

في الواقع، شاهدنا العديد من المضايقات الناتجة عن تصريح قام به أحد النشطاء أو السياسيين أو فكرة صرّح بها أحدهم على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أو أغنية. وفي كلّ مرّة تتمّ محاكمة هؤلاء الأشخاص على أساس الفصل 24 باعتماد ألفاظ ومصطلحات غير دقيقة بل فضفاضة قابلة للتأويل الاعتباطي. ومثّلت مناسبة للتّضييق على الحقوق والحرّيات بصفة عامّة وعلى حرّية التعبير بصفة خاصة ، مع العلم أنّ المشتكي هو في أغلب الأحيان وزير من الوزراء أي ممثل عن السلطة التنفيذية المطالبة مبدئيّا بضمان الحقوق والحرّيات المنصوص عليها في الدستور.

هكذا في أكتوبر/ تشرين الأوّل 2022، أي بعد شهر من إصدار المرسوم، تمّ إيقاف الطالب بهاء الدين حمادة بكلّية العلوم القانونية والسياسية بسوسة على خلفيّة إنشائه لصفحة فايسبوك لنقل الاحتجاجات الواقعة بحيّ التضامن على معنى المرسوم 54. ووجّهت إليه تهمة “تعمّد استعمال الشبكات وأنظمة المعلومات والاتّصال لترويج ونشر إشاعات كاذبة بهدف الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان”.

عشرة أيّام فقط فصلت بين إيقاف الطالب بهاء الدين حمادة في سوسة وتقديم شكاية من قبل وزيرة العدل ضدّ موقع بزنس نيوز مفادها “نشر أخبار كاذبة” و”نسبة أمور غير صحيحة لموظّف عمومي” علاوة على الثلب والتعريض برئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن، وذلك على خلفيّة نشر الموقع مقالاً يقيّم حصيلة نجلاء بودن الاقتصادية والاجتماعية إثر سنة من تولّيها سدّة رئاسة الحكومة.

ويجابه المناضل العيّاشي الهمامي اليوم خطر عقوبة سجنيّة تصل إلى 10 سنوات سجن وخطيّة مالية بـ100 ألف دينار، على خلفيّة تصريح في إذاعة شمس اف ام مفاده “الي عملو سعيّد في القضاء حتى في عهد البحيري ما صارش (ما قام به سعيّد في حقّ القضاء لم يقع حتّى في عهد البحيري)…إنّ الملفات مفبركة بالإضافة إلى أنّ هناك تنكيل بالقضاة …تقديم منح للقضاة المعفيين هو فساد مالي لرئيس الدولة”.

في نفس السياق، تمّ إيقاف حمزة العبيدي، وهو ناشط مدني من ولاية القصرين، ومقاضاته على خلفيّة تدوينة على موقع فيسبوك عبّر فيها عن رأيه إزاء الأوضاع التي تعيشها منطقته، تضمّنت شعار “إلى الثورة، إلى الشارع من جديد.. ثورة مستمرّة”.

أحيل حمزة العبيدي على القضاء بتهمة استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة على معنى الفصل 24 من المرسوم المتعلق بالجرائم الالكترونية. من حسن حظّ حمزة العبيدي أنّ القضاء قد حفظ التهمة في حقّه وأطلق سراحه إثر عرضه عليه بتاريخ 5 جانفي/ كانون الثاني 2023.

يتبيّن من خلال هذه الورقة أنّ هذا المرسوم لم يحم حرّية التعبير وهو غير دستوري وغير محترم للالتزامات الدولية لتونس. رغم ذلك ومنذ دخوله حيّز النفاذ، لم تتوانَ السّلطة القائمة على اعتماده لترهيب الأصوات المناوئة لتوجّهات الحكومة أو رئيس الجمهوريّة، سواء تعلّق الأمر بنقل احتجاجات أو نشر مقال صحفي أو حتى تقديم قراءة قانونية أو سياسيّة. وتسارع السلطة الحاليّة في استعمال الفصل 24 من المرسوم 54 لـ”معاقبة” وتهديد كلّ من تساور له نفسه نقد ما يحدث في تونس.

لذا يتعيّن أن يتمّ الغاؤه من قبل مجلس نوّاب الشعب وتعويضه بقانون جديد حتى يتمّ ضمان حرّية التعبير وبقيّة الحرّيات وحقوق الإنسان وفق المرجعيات الدولية والمحلّية.

الكاتب : حفيظة شقير

أستاذة القانون العام في كلية الحقوق والعلوم السياسية في تونس، وناشطة حقوقية ونقابية.

تطوير تقني: بلال الشارني
تظوير تقني: بلال الشارني

الكاتب : حفيظة شقير

أستاذة القانون العام في كلية الحقوق والعلوم السياسية في تونس، وناشطة حقوقية ونقابية

hafidha