الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

ماتزال عائلة المبروك، احدى أكبر العائلات الاقتصادية في تونس، تشغل الرأي العام منذ انهيار نظام حكم بن علي ومصادرة جزء من أملاكها وأموالها، حيث تمكّنت خلال العشرية الماضية من تكوين اخطبوط من الشركات الواجهة بين مالطا ولوكسمبورغ على وجه الخصوص لما تمثّله هذه الدول من ملاذات ضريبيّة يمكن اللّجوء إليها لتأمين المصالح الماليّة في كنف السريّة ما يضعها إزاء شبهات تهرّب ضريبي، وفقا لخبراء استأنس بهم موقع الكتيبة في مسار إعداد هذا التحقيق الاستقصائي.

فماذا نعرف عن الشركات الأوفشور المُوَطّنة في ملاذات ضريبيّة والتي تعود ملكيتها الى عائلة المبروك ؟ ولأيّ أغراض تمّ استعمالها؟ وما علاقة ذلك بالتطوّرات التي حصلت في ما يعرف بملف مروان المبروك سواء في تونس أو في الاتحاد الأوروبي خاصة في عهد رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد ؟ من هو إسماعيل المبروك الرجل القوّي والعقل المدبّر في المجمع الذي تكرّر اسمه في العديد من الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة؟ كيف ورد اسم محمد علي المبروك الأخ الأكبر في نفس الوثائق؟

وهل فعلا كان مروان المبروك مظلوما طيلة السنوات التي تلت الثورة في تونس والتي كانت فيها عديد الأطراف السياسية والمدنيّة تطالب بمحاسبته رفقة إخوته على ما اعتُبر استفادة مفضوحة من نظام بن علي بسبب المصاهرة والنفوذ السياسي؟

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

ماتزال عائلة المبروك، احدى أكبر العائلات الاقتصادية في تونس، تشغل الرأي العام منذ انهيار نظام حكم بن علي ومصادرة جزء من أملاكها وأموالها، حيث تمكّنت خلال العشرية الماضية من تكوين اخطبوط من الشركات الواجهة بين مالطا ولوكسمبورغ على وجه الخصوص لما تمثّله هذه الدول من ملاذات ضريبيّة يمكن اللّجوء إليها لتأمين المصالح الماليّة في كنف السريّة ما يضعها إزاء شبهات تهرّب ضريبي، وفقا لخبراء استأنس بهم موقع الكتيبة في مسار إعداد هذا التحقيق الاستقصائي.

فماذا نعرف عن الشركات الأوفشور المُوَطّنة في ملاذات ضريبيّة والتي تعود ملكيتها الى عائلة المبروك ؟ ولأيّ أغراض تمّ استعمالها؟ وما علاقة ذلك بالتطوّرات التي حصلت في ما يعرف بملف مروان المبروك سواء في تونس أو في الاتحاد الأوروبي خاصة في عهد رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد ؟ من هو إسماعيل المبروك الرجل القوّي والعقل المدبّر في المجمع الذي تكرّر اسمه في العديد من الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة؟ كيف ورد اسم محمد علي المبروك الأخ الأكبر في نفس الوثائق؟

وهل فعلا كان مروان المبروك مظلوما طيلة السنوات التي تلت الثورة في تونس والتي كانت فيها عديد الأطراف السياسية والمدنيّة تطالب بمحاسبته رفقة إخوته على ما اعتُبر استفادة مفضوحة من نظام بن علي بسبب المصاهرة والنفوذ السياسي؟

هندسة مالية متشعبة تنطوي على شبهات تهرب ضريبي وغسل أموال

خزائن سريّة في مالطا ولوكمسبورغ

على نقيض عموم الشعب التونسي الذي استنشق نسائم الحريّة وبوادر مسار ديمقراطي كان من الممكن أن يقطع مع منظومة الفساد والاستبداد التي حكمت البلاد طيلة 23 سنة، فإنّ ثورة 2011 مثّلت نذير شؤم لعائلة المبروك التي واجهت العديد من المصاعب بعد سقوط حكم الرئيس بن علي صهر الابن الأصغر في العائلة مروان الذي تمّت مصادرة أملاكه وأصوله فضلا عن تحجير السفر عليه وتجميد حساباته البنكية وممتلكاته العقارية في الاتحاد الأوروبي وسويسرا ودول أخرى.

هذه المصاعب والملاحقات القضائية دفعت بعائلة المبروك لاتّباع مسالك جديدة من أجل حماية المصالح المالية من المصادرة والمساءلة حول شبهات التهرّب الضريبي وتضخم الثروة بشكل غير مشروع.
بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأوّل 2012، تمّ تأسيس شركة أوفشور (غير مقيمة) في مالطا وتحديدا في منطقة بئر كيركيرا. تحمل هذه الشركة اسم “مينا ريتيل ترايدينغ آند سرفيس”.

هذه الشركة المذكورة حينما تمّ تأسيسها، كانت الأسهم في البداية باسم فريديريك بيكاستينغس الذي كان يشغل وقتها منصب المدير العام لقطب الصناعات الغذائية في المجموعة (شغل هذا المنصب بين 2006 و 2013) وصندوق ترايدنت تراست مالطا.
تقدّم “ترايدنت تراست” نفسها على أنّها شركة مستقلّة رائدة في مجال تقديم خدمات ادارة الشركات والصناديق الائتمانية لقطاع الخدمات المالية في جميع أنحاء العالم.

في الواقع، هذه ليست المرّة الأولى التي يكشف فيها النقاب عن العمليّات التي تقوم بها هذه الشركة الدوليّة لمساعدة المتهربين ضريبيا والمجرمين وشبكات المافيا ومبيضي الأموال الملوثة على التركيب المالي من أجل إخفاء المصدر الأصلي للثروات وغسل الأموال.
ففي وقت سابق ورد اسمها في أكثر من تحقيق استقصائيّ دوليّ على غرار تحقيق أوراق باناما وأوراق بارادايز وأوراق باندورا وتسريبات الباهاماس.

وتعتبر جزيرة مالطا (تبعد عن تونس حوالي 50 دقيقة بالطائرة) ملاذا ضريبيا وفقا لشبكة العدالة الضريبية وغيرها من المؤسسات الناشطة في مجال مكافحة الفساد على غرار منظمة الشفافية الدولية.

عند تقفّي آثار المسارات الخفيّة لعائلة المبروك بعد الثورة التونسية في الملاذات الضريبيّة، نكتشف أنّ إسماعيل المبروك (يشغل خطة رئيس مجلس إدارة بنك تونس العربي الدولي) كان قد قام في 25 فيفري/شباط 2013 بتأسيس شركة أخرى أوفشور في دوقية لوكسمبورغ الكبرى في قلب القارة الأوروبية حينما كان شقيقه مروان المبروك (51 سنة) رهن عقوبات في أوروبا ومحلّ متابعة قضائيّة في تونس.

تحمل هذه الشركة اسم ” ب اف اي ام” برأسمال ناهز عند التأسيس 100 ألف يورو. استنادا إلى الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة وتسنّى لهيئة التحرير التثبّت من صحتها، فإنّ المسؤول الفرنسي في مجموعة المبروك المدعو فريديرك بيكاستينغس الذي سيلعب في كلّ المراحل دور رجل القشّ، شغل في البداية منصب المدير في هذه الشركة المذكورة.

بعد أيّام قليلة من تأسيس الشركة الآنف ذكرها في لوكسمبورغ من قبل إسماعيل (57 سنة) ، سيقوم الأخ الأكبر محمد علي (58 سنة) بتأسيس شركة أخرى تحت مسمّى “سان انفستمنت” وذلك بتاريخ 4 مارس/آذار 2013. وقد كانت قيمة رأسمال هذه الشركة المذكورة تناهز 100 ألف يورو أيضا.

لن يقف الأمر عند هذا الحدّ، حيث ستكون فرنسا الوجهة القادمة لعائلة المبروك التي ستقوم بتأسيس شركة في باريس تحمل اسم “آم جاي هاش انترناسيونال” في 22 أفريل/نيسان 2013.
هذه الشركة، مقرها الاجتماعي في باريس، يقدّر رأس مالها عند التأسيس بـ150 ألف يورو حيث ستوزّع أسهمها مناصفة بين الشركتين الآنف ذكرهما في الملاذ الضريبي لوكسمبورغ واللتين هما على ملك إسماعيل ومحمد علي المبروك.
وسيشغل منصب المدير على رأس الشركة الرابعة حديثة التأسيس المدعوّ فريديريك بيكاستينغس (عنوان إقامته وفقا للوثائق في ضاحية قرطاج بتونس) الذي ستتمّ قبل نهاية العام 2013 ترقيته صلب المجموعة في تونس من خلال تكليفه بمهمة الإشراف على مجموعة “سيّدة” في مجمع عائلة المبروك.

من خلال تفكيك عملية التركيب المالي المعقّد لشركات عائلة المبروك في الملاذات الضريبيّة، تبيّن لفريق التحرير في موقع الكتيبة أنّ الشركة التي قاموا بتأسيسها في فرنسا تحت اسم “آم جي هاش أنترناسيونال” ستكون منطلقا لبعث شركة أخرى في مالطا مجدّدا تحمل اسم “آم جي هاش مالطا ليميتيد” بتاريخ 3 سبتمبر/أيلول 2013.
من المهم في هذا السياق الإشارة إلى أنّ الشركة الخامسة المذكورة التي تمّ احداثها في مالطا تحت الاسم الآنف ذكره يقع عنوانها في نفس عنوان الشركة الأولى التي تأسست سنة 2012 تحت اسم “مينا ريتيل ترايدينغ آند سرفيس” في منطقة بئر كيركيرا.
تكشف الوثائق التي تحصّلنا عليها أنّ رأسمال شركة “آم جي هـ مالطا ليميتيد” توزّع بين “آم جي هاش أنترناسيونال” التي تملك 19 ألفا و999 سهما وفريدريك بيكاستنيغس الذي يملك سهما واحدا فقط.
لن يقتصر دور رجل القشّ الذي يلعبه الفرنسي بيكاستنيغس عند هذا الحدّ، حيث سيقوم في 8 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2013 أي بعد شهر فقط من تأسيس الشركة الآنف ذكرها بتحويل حصصه في شركة “مينا ريتيل ترايدينغ آند سرفيس” البالغة 5999 من أصل 6000 سهما إلى شركة “آم جي هاش مالطا ليميتيد” التي تعود ملكيّتها إلى الثنائي إسماعيل ومحمد علي المبروك من خلال الشركتين اللّتين تمّ تأسيسهما في دوقيّة لوكسمبورغ.

من المهم التذكير في هذا الإطار بأنّ الشركتين اللّتين تمّ تأسيسهما في مالطا وردتا في التحقيق الاستقصائي الدولي “أوراق بارادايز” الذي تعلّق بكشف جرائم عديدة تتعلّق بالتهرّب الضريبي وغسل الأموال.
بخصوص الشركتين اللّتين تمّ تأسيسهما في لوكسمبورغ واللتين يعود لهما الخراج المالي في نهاية هذه الهندسة المالية المتشعبة، نجد أنّ الشركة المسماة “ب اف اي ام” والتي تعود ملكيّتها الى إسماعيل المبروك قد حقّقت على سبيل الذكر في سنة 2022 حصيلة مالية بقيمة 2.8 مليون أورو أي ما يعادل بالعملة التونسية حوالي 9.5 مليون دينار وذلك بحسب الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة.
أمّا بالنسبة إلى الشركة الثانية في لوكمسبورغ والتي هي على ملك محمد علي المبروك فقد حقّقت في سنة 2022 على سبيل المثال حصيلة مالية بقيمة 2.8 مليون يورو أي ما يناهز تقريبا مبلغ 9.5 مليون دينار تونسي بحسب نفس المصدر.

ماتزال الشركتان الآنف ذكرهما تنشطان إلى حدّ الآن في دوقية لوكسمبورغ التي وعلى الرغم من عدم تصنيفها ضمن القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي، فإنّ شبكة العدالة الضريبية كانت قد صنّفتها ضمن البلدان العشرة الأوائل على مستوى مؤشرات ملاذات الشركات للتهرّب الضريبي في سنة 2021.
في نفس العام الأخير المذكور، قادت صحيفة لوموند الفرنسية تحقيقا دوليا تحت اسم “أوبن لوكس”. كشف هذا التحقيق عن وجود 124 ألف شركة مسجلة في الدوقيّة (التي يبلغ عدد سكانها 600 ألف نسمة فقط) غالبيتها ليس لها أي نشاط فعلي وبلا موظفين، أي أنّها مجرّد صدفات جوفاء وقنوات لتهريب الأموال وتحويلها بشكل مخاتل وسرّي بحسب التحقيق المذكور. فضلا عن ذلك فإنّ عنوان الشركة الواحدة عادة ما يكون هو نفس عنوان مجموعة شركات أوفشور (غير المقيمة) تجتمع في أسماء شركات استشارات قانونية وتصرّف في المؤسسات.
في سنة 2019، وبحسب نفس التحقيق، تمّ إحصاء أكثر من 6000 مليار يورو مخزّنة في حسابات شركات في لوكسمبورغ دون أن يكون لها أي وجود في الاقتصاد الرسمي الحقيقي.

صناديق الاستثمار في لوكسمبورغ تعمل إلى حدّ كبير في سريّة ما يتيح فرصا للمجرمين والفاسدين لإخفاء الأصول وتجنّب الضرائب وغسل عائدات الجريمة. 80 بالمائة من هذه الشركات المسجلة في الدوقية لا تعلن عن الجهة المستفيدة ما يعزّز خطر غسيل الأموال.

مقتطف من تعليق منظمة الشفافية الدولية على تحقيق أوبن لوكس

في سنة 2020، أصدر البرلمان الأوروبي دراسة تحت عنوان “تحسين سياسة مناهضة تبييض الأموال” صنّف فيها دوقيّة لوكسمبورغ ضمن أكثر بلدان الاتحاد الأوروبي التي بها مخاطر متعلقة بالتهرّب الضريبي وذلك رفقة كلّ من مالطا وقبرص.
هذه البيئة الآمنة التي تتيحها الدوقيّة الكبرى في كنف السريّة، زادت في فتح شهيّة عائلة المبروك حيث سيقوم كلّ من محمد علي وإسماعيل بتأسيس شركتيين أخريين في لوكمسبورغ في نفس اليوم وهو 02 أوت/آب 2019.
جدير بالذكر أنّ القانون التونسي يمنع و/أو يفرض تراخيص مسبقة على امتلاك أشخاص طبيعيين أو ذوات معنوية مقيمة في تونس (وهو الحال بالنسبة إلى عائلة المبروك) لأصول وحسابات وشركات خارج تونس.

أطلقت على الشركة الأولى تسمية “أزير أنفستمنت” برأسمال قدره 250 ألف يورو. تكشف الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة أنّ مالك هذه الشركة هو شركة “ب أف إي أم” التي هي في الحقيقة على ملك إسماعيل المبروك.
أمّا بالنسبة الى الشركة الثانية، فقد حملت إسم “ساني انفستمنت” والتي قدّر رأسمالها بـ 250 ألف يورو. على شاكلة إسماعيل، تبيّن أنّ المالك الحقيقيّ لهذه الشركة هو الأخ الأكبر محمد علي وذلك عبر شركة “سان انفستمنت” التي أسّسها في سنة 2013.
في سنة 2022، قدّرت الحصيلة المالية لشركة “أزير انفستمنت” التي هي على ملك إسماعيل المبروك بـ 4.469 مليون يورو أي زهاء 15 مليون دينار تونسي. وفي نفس العام قدّرت الحصيلة المالية لشركة “ساني انفستمنت” التي هي على ملك محمد علي المبروك، وفق الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة، بـ 4.469 مليون يورو أي ما يعادل قرابة 15 مليون دينار تونسي.

يقع المقر الافتراضي للشركات الأربعة التي تعود ملكيتها لعائلة المبروك في الدوقيّة الكبرى في شارع “غيوم جي كرول” الشهير في لوكسمبورغ. يحتوي الشارع لوحده على عناوين 3690 شركة أوفشور، حيث يصنّف من أكبر “صناديق بريد” الشركات الواجهة دوليا.
يذكر أنّ الشركات الأربعة تصرّح بأنّه ليس لها أيّ موظّف ولا مصاريف حماية اجتماعية أو أي شيء آخر من هذا القبيل وهو ما يعني أنّه ليس لها أي نشاط اقتصادي حقيقي.
ما يجب الإشارة إليه أيضا أنّ شركة “ب اف اي ام” كانت قد قامت في شهر أكتوبر/تشرين الأوّل من سنة 2021 بالترفيع في رأس مالها إلى 3 مليون يورو أي نحو 10 مليون دينار تونسي. قبل ذلك، كانت شركة “سان انفستمنت” قد قامت بنفس الشيء حيث رفّعت في رأس مالها إلى 3 مليون يورو أي زهاء 10 مليون دينار تونسي، بناء على نفس الوثائق التي تسنّى لموقع الكتيبة الوصول إليها.
إزاء كلّ هذه المعطيات المذكورة، من المهم التساؤل عن تاريخيّة علاقة عائلة المبروك بالخزائن السريّة لدوقيّة لوكسمبورغ التي تعدّ من أهم وجهات كبار الأثرياء في العالم الذين يبحثون عن ملاذات ضريبيّة من أجل حماية أموالهم -سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة- من الواجبات الجبائية. فهل يمكن القول انّ هذه العلاقة كانت تاريخيا رهينة سياقات ما بعد الثورة في تونس بسبب الملاحقات القضائية التي واجهها مروان المبروك؟

باريس: الحديقة الخفيّة لامبراطوريّة المبروك العقارّية

للإجابة عن السؤال المذكور سابقا، من المهم البحث في أرشيفات ما قبل الثورة التونسية بالنسبة الى الإبن الأصغر في عائلة المرحوم علي المبروك. في الوثائق التي توصّل إليها موقع الكتيبة، نعثر على معطيات هامة لابدّ من التوقف عندها بخصوص مروان المبروك الذي كان له قصب السبق في علاقة بالولوج إلى دوقيّة لوكسمبورغ.
بتاريخ 11 مارس/آذار 2008، تمّ إحداث شركة مدنيّة عقاريّة “SCI” في العاصمة الفرنسية باريس تحمل اسم “إيكاروس”. بحسب النشاط المصرح به لهذه الشركة عند تكوينها فهي متخصّصة في “شراء وتأجير والتصرف، والوضع تحت الذمة مجانا وبشكل استثنائي لفائدة المساهمين ونقل الملكية و/أو الحقوق في باريس”.
من خلال التقصّي، نستشف أنّ مالك هذه الشركة هو محمد مروان المبروك صهر الرئيس بن علي وقتها. عند تسجيل الشركة المذكورة في فرنسا، تمّ التنصيص على أنّ مروان المبروك يملك 29.999 حصّة في هذه الشركة المدنيّة العقاريّة، في حين يملك وكيلها حينئذ حصّة واحدة وهو الفرنسي جيل أوبري.

لاحقا، وتحديدا في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، تمّ التفويت في حصص مروان مبروك في شركة “إيكاروس” إلى شركة أخرى في الملاذ الضريبي لوكسمبورغ.
تحمل هذه الشركة المسجلة في لوكسمبورغ اسم “توب تون انترناسيونال”. سيتبيّن لنا فيما بعد أنّ المستفيد الحقيقي من كلّ هذه العملية هو محمد مروان المبروك الذي ستنجو ممتلكاته العقارية الباريسيّة المسجلة في الدوقيّة الكبرى من التجميد رغم قرار الاتحاد الأوروبي بعيد الثورة في تونس وذلك بفضل المونتاج المالي الذي قام به بدهاء وذكاء.
في الحقيقة، وبعد أن أضحت الشركة الباريسيّة تعود بالملكية إلى الشركة المسجلة في لوكمسبورغ سيقوم مروان المبروك قبل نهاية العام 2008 بشراء عقار فخم في شارع سان جرمان الشهير في باريس بقيمة 4.2 مليون يورو وقتها، بحسب الوثائق الرسميّة الفرنسيّة التي تسنّى لموقع الكتيبة التحري في صحتها.

تفيد نفس الوثائق أنّ عمليّة شراء العقار المذكور تمّت مباشرة عن طريق تحويل مبلغ قيمته 4.2 مليون يورو بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 وذلك عبر حساب في بنك “كريدي سويس” يتبع مكتب المحاماة “آ هـ ليغال” في جنيف.
هذا الحساب البنكي التابع لمكتب المحاماة في سويسرا سيتضّح لاحقا أنّ التحويل المالي الذي وصل إليه كان في الأصل من حساب بنكي آخر هو على ملك مروان المبروك في البنك الخاص “ادموند دي روتشيلد”.
تكشف نفس الوثائق الرسميّة الفرنسيّة أنّه بين 9 ماي/أيار 2009 و 2 ديسمبر/ كانون الأوّل 2010، تمّ تسجيل 7 عمليات تحويل مالي في حساب شركة إيكاروس الباريسية التي تعود ملكيتها وفقا للقانون الأساسي لشركة مروان مبروك المسجلة في لوكسمبورغ من الحساب البنكي لذات مكتب المحاماة المذكور آنفا فضلا عن صندوق مالي خفي مقره نيوزيلندا يحمل اسم ” أولد وود تراست”.
لاحقا ستكشف تحريات وتحقيقات رسميّة فرنسيّة أنّ المستفيد الحقيقي من “أولد وود تراست” هو مروان المبروك.
في المحصّلة، بلغت قيمة التحويلات المالية المرصودة 3 مليون يورو بين 2009 و2010 ما يعني أنّ العقار المذكور والذي هو على ملك صهر الرئيس السابق بن علي قد بلغت كلفته ما لا يقل عن 7.2 مليون يورو وقتها.
هذه المعطيات الجديدة لم تكن لتكشف لو لا ما أقدمت عليه حكومة يوسف الشاهد في سنة 2018 من قرار سياسي متعلق بمروان المبروك.

في يوم الخميس 18 جانفي/كانون الثاني 2018، كان رئيس الحكومة التونسي الأسبق يوسف الشاهد (يقيم بالخارج حاليا وهو مطلوب للعدالة في تونس) قد عقد بدار الضيافة في قرطاج اجتماعا لمجلس وزاري مضيّق خصّص للنظر في وضعية رجل الأعمال مروان المبروك.
يفيد محضر جلسة هذا الاجتماع الذي تحصّل موقع الكتيبة على نسخة منه أنّ الحكومة يومها قرّرت بوصفها تمثّل الدولة التونسيّة قبول مطلب محمد مروان المبروك بحذف اسمه من قائمة الأشخاص الذين تمّ اتخاذ إجراءات تحفظيّة ضدهم شريطة تقديم هذا الأخير لضمان بنك تونسي عند أوّل طلب يساوي على الأقل قيمة الأملاك المجمّدة في بلدان الاتّحاد الأوروبي.
وقد قرّر رئيس الحكومة يوسف الشاهد اثر هذا الاجتماع دعوة مصالح وزارة الخارجية إلى مراسلة الاتحاد الأوروبي قصد حذف اسم محمد مروان المبروك دون سواه من قائمة الأشخاص الذين تمّ اتخاذ إجراءات تحفظيّة ضدهم نظرا لتقديمه الضمانات الكافية للدولة التونسية، بحسب نفس الوثيقة.

اعتبرت وقتها منظمة أنا يقظ غير الحكومية المتخصصة في الشفافية ومكافحة الفساد في تونس أنّ ما أقدمت عليه حكومة يوسف الشاهد آنذاك يعدّ دوسا على القضاء من أجل مصالح مروان المبروك. فضلا عن ذلك، تقدمت منظمة أنا يقظ بشكاية ضدّ يوسف الشاهد وكلّ من سيكشف عنه البحث من أجل استغلال صفته لاستخلاص فائدة لغيره دون وجه حقّ تحت طائلة الفصل 96 وما بعده من المجلة الجزائيّة.
في شهر جانفي/كانون الثاني 2019، أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي قرارا يقضي بحذف محمد مروان المبروك من قائمة العقوبات الصادرة في 2011.

من الملاحظ أنّ مروان المبروك لم ينتظر كثيرا بعد هذه المستجدات حيث قام بحلّ شركة “توب تون انترناسيونال” المسجلة في دوقيّة لوكسمبورغ التي تملك عقاراته الباريسية، لتصبح بذلك الأسهم التي يملكها على ملك شركة “إيكاروس” في فرنسا والتي تقدّر بـ29.999 من إجمالي 30.000 حصّة.
علاوة على ذلك، سارع مروان المبروك بالتقدّم بطلب قضائي إلى السلطات الفرنسية بتاريخ 12 جويلية/ تموز 2022 من أجل رفع حجز جزئي على حساب بنكي يملكه في مصرف “ترانس أطلنتيك” واسترداد المبالغ المحجوزة في نفس البنك.
في سبتمبر/أيلول 2021، مثَل مروان مبروك رفقة محاميه لوران بيان أمام إدارة الجرائم المالية في فرنسا مقدما نفسه كمواطن تونسي ـ فرنسي( جبائيا غير مقيم هناك) محلّ إقامته في ضاحية المرسى بتونس العاصمة وبصفته رئيس مؤسّسة اقتصادية تونسيّة.
يقول مروان المبروك خلال التحقيق معه إنّ الطلاق قد تمّ بينه وبين سيرين بن علي (ابنة الرئيس الأسبق) رسميّا منذ 2012، مدعيا أنّهما كانا منفصلين منذ 2009.

يزعم المبروك أنّ مصادر دخله متأتيّة من أجره الشهري والمرابيح التي يتلقاها من شركاته في تونس، قائلا إنّه يتلقّى شهريا 80 ألف دينار من شركة أورونج و200 ألف دينار من شركة توزيع السيارات التي هي على ملكه أي ما يعادل 70 ألف يورو حاليا.
بالعودة إلى حيثيات سنة 2008، يزعم المبروك أنّه كان، آنذاك، يتلقّى أجرا يقدّر بحوالي 100 ألف يورو(بحسب قيمة الصرف وقتها) من شركة السيارات التي يديرها، مضيفا أنّه كان يحقّق أرباحا من شركاته سنويا بقيمة تقدّر بحوالي 15 إلى 20 مليون يورو.
وقد أقرّ المبروك بأنّه يملك في تونس حسابين بنكيين في بنك تونس العربي الدولي الذي هو على ملك مجموعة المبروك الاقتصادية والبنك التونسي، في حين يملك في فرنسا حسابا جاريا في بنك ترانس أتلانتيك وآخر للأوراق المالية في نفس البنك، فضلا عن حساب بنكي في سويسرا وآخر في إدموند روتشيلد وحساب بنكي لشركة “إيكاروس” وآخر لشركة “توب تون انترناسيونال”.

عادة ما أقوم بنقل أموال نقدية أو أقوم بتحويل بنكي من حسابي في سويسرا.

مروان مبروك أمام إدارة الجرائم المالية في فرنسا سنة 2021

في ذات السياق، يقول مروان مبروك أثناء التحقيق معه من قبل السلطات الفرنسية (في المكتب المركزي لمكافحة الجرائم المالية الخطيرة) سنة 2021 إنّه يملك في تونس 4 فيلات (الأخيرة اقتناها بين 2012 و2013)، معترفا بأنّه يملك أيضا عقارا في فرنسا (شقة من 280 مترا مربعا تقع في مبنى تاريخي يعود إلى القرن 18) عن طريق شركة مدنيّة بلغت كلفته 7 مليون يورو وفق قيمة الصرف قبل 2011 (تصل قيمته المالية حاليا إلى ما لا يقل عن 15 مليون يورو أي حوالي 50 مليون دينار تونسي وفقا لخبراء في المجال العقاري في باريس).

في المحصّلة، رفض القضاء الفرنسي في قرار معلّل صدر بتاريخ 20 جويلية/ تمّوز 2022 طلب مروان المبروك رفع التجميد الجزئي عن حساب الأوراق المالية في بنك ترانس أتلانتيك واسترجاع الأموال المحجوزة.
وكان القضاء الفرنسي قد أثبت بعد القيام بالمكافحة والتحاليل المالية اللازمة أنّ حساب مروان المبروك المفتوح في سويسرا في بنك روتشيلد تحت اسم “فيداك” تحصّل على عمولات من مجموعات سيارات قيمتها بين 2003 و2010، 8.5 مليون يورو.
يفيد القضاء الفرنسي بناء على الاعترافات التي أدلى بها مروان المبروك أنّ الحساب البنكي المعني في سويسرا تمّ تمويله من عمولات عمليات تجارية وخاصة في علاقة بعقود توزيع سيارات وشاحنات مع مجموعة فيات الايطالية و دايملر كرايسلر الألمانية أي الشركات التي يوزع علامتها التجارية في تونس (فيات ومرسيدس) بعد أن استفاد من عملية خصخصة شركة المحرّك لتوزيع السيارات التي كانت على ملك الدولة التونسية.
ووفقا للوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة، فإنّه عندما طلب القضاء الفرنسي من مروان المبروك تقديم ما يبرّر ذلك، لم يقم بتقديم شيء. فضلا عن ذلك، ارتكز القضاء الفرنسي في قرار رفض طلب مروان المبروك رفع التحجير على حساباته في فرنسا على تضارب اعترافاته إذ أنّه سبق أن صرّح أمام أنظار العدالة في تونس بأنّ مصدر تلك الأموال التي تهم حسابه البنكي في سويسرا هو عمليات مضاربة في البورصة وهو ما يتناقض مع روايته الثانية، بحسب نفس الوثائق الرسميّة الفرنسيّة.

في غياب أي تبرير موضوعي مقنع حول مصدر الأموال رغم كل الفرص التي منحت للقيام بذلك (للمعني بالأمر مروان المبروك) فإنّ طلب استرداد الأموال ليس له أي أساس صحيح وبالتالي يرفض الطلب.

قرار قضائي فرنسي صدر بتاريخ 20 جويلية 2022

في هذا السياق، وربطا بموضوع شركات توزيع السيارات التي هي على ملك مجموعة المبروك في تونس، فإنّه من المهم العودة إلى تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد الصادر في سنة 2011 وكذلك التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة والذين يخلصان الى أنّ ضغوطات من رئاسة الجمهورية (بن علي) كانت قد مورست على رجل الأعمال جمال العارم من أجل سحب العرض المالي الذي بلغت قيمته 25.11 مليون دينار وقد تقدّم به حينها لاقتناء شركة المحرّك لبيع السيارات المملوكة وقتها للدولة والتي كانت قيد الخصخصة.
فاز في النهاية مروان المبروك بالصفقة رغم أنّ عرضه المقدّم بلغت قيمته 21 مليون دينار فقط وهو ما فتح بابا واسعا لمجموعة المبروك لاقتحام سوق بيع السيارات بقوّة وتكديس أرباح هامة من هذا القطاع إلى اليوم في تونس.

تفيد وثائق تحصّل عليها موقع الكتيبة أنّ مروان المبروك يملك في شارع سان جرمان الشهير بباريس 4 شقق (3 منها في نفس الطابق). تدار هذه الممتلكات العقارية من قبل شركة “ايكاروس” التي هي على ملك الابن الأصغر في عائلة المبروك.
حاول موقع الكتيبة التواصل مع محمد مروان المبروك في إطار حقّ الردّ والتعليق والتوضيح على جملة هذه المعطيات غير أنّه اكتفى بكتابة ارسالية قصيرة قال فيها إنّه “يعتذر مع كامل الأسف” عن التفاعل معنا اعتبارا لكون أنّ وضعيته من أنظار القضاء ما يمنعه قانونا من التداول في ذلك اعلاميا.

كلّ ما يمكنني التأكيد عليه في هذا الصدد هو أنّ وضعيتي شرعية وقانونية ومعلومة وهو ما تحقّق منه القضاء داخل تونس وخارجها إلى حدّ الآن بعيدا عن كلّ المغالطات.

مروان المبروك في رسالة قصيرة عبر الهاتف

بعيدا عن هذا الردّ المقتضب والرفض القطعي لإجراء المواجهة ضمن هذا التحقيق، فإنّ قصّة الممتلكات العقارية لمروان المبروك في أفخم وأغلى المناطق في باريس ليست سوى الشجرة التي تخفي الغابة حيث تبيّن لموقع الكتيبة أنّ شقيقه محمد علي يملك بين شارع “دي آنا” وشارع “غاليلي” وشارع “شايو 10” شققا في مبان معظمها تاريخية وفاخرة تديرها شركة عقاريّة عائلية هي على ملك محمد علي (90 بالمائة من الأسهم) وزوجته (مهنتها محامية في تونس تملك 10 بالمائة من الحصص). تسمّى هذه الشركة “آم أ مونييه”.
يعتبر إسماعيل المبروك صاحب أقل عدد من الشقق في باريس حيث يملك في منطقة شارع الولايات المتحدة الشهير في الدائرة 16 شقتين فقط واحدة أرضية وثانية في الطابق الثاني في مبنى فخم وتاريخي. تدير هاتين الشقتين شركة فلوريس المدنيّة العقارية التي تأسست سنة 2014 وهي على ملك إسماعيل وزوجته جزائرية الأصل المقيمة بتونس (وفق وثائق بعث الشركة لا مهنة لها).

ما يجب الاشارة إليه في هذا السياق هو أنّ جلّ الممتلكات العقارية المشار اليها موجودة في مبان تاريخية ذات طابع أثري في عاصمة الأنوار وتحديدا فيما يسمّى المثلث الذهبي الذي لا يقطن فيه سوى أثرى أثرياء فرنسا والعالم ممن يبحثون عن الإقامات الفاخرة.
بحسب وثائق القضاء الفرنسي تمّ إحصاء 42 حسابا بنكيا شخصيا تمّ فتحها في دول أوروبية من قبل أفراد عائلة المبروك بالاضافة الى 15 وديعة وذلك خلال الفترة المتراوحة بين تسعينات القرن الماضي وسنة 2010. وقد احتوت هذه الحسابات على مبالغ ضخمة خاصّة بالفرنك السويسري متأتّية أساسا من تحويلات مباشرة أو غير مباشرة من شركاء اقتصاديين. وقد استقرّت تلك التحويلات في الحسابات الشخصية لعائلة المبروك أو في استثمارات في شركات عقارية.
لا شكّ في أنّ تضخّم ثروات عائلة المبروك في تونس وخارجها يطرح عديد التساؤلات الوجيهة حول مصدر كل هذه الأموال. فمن هي عائلة المبروك؟ كيف نجحت في وقت وجيز في صناعة إمبراطورية مالية واقتصادية جعلتها تصنف كثاني أضخم مجمع في تونس؟ وهل أنّ ما يشاع سياسيا وإعلاميا من اتهامات عن استفادتها من نظام الرئيس بن علي ومن منظومة الاقتصاد الريعي في تونس قبل وبعد الثورة هو محض افتراء؟

استفادة عائلة المبروك من نظام بن علي: حقيقة أم افتراء؟

على عكس مزاعم مروان المبروك أمام القضاء الفرنسي، فإنّ قصّة الانفصال عن زوجته منذ سنة 2009 تفنّدها الوقائع.
فبين سنتي 2009 و2010، تحصّل مروان رفقة سيرين التي سينفصل عنها فعليا في 2012 بعد سقوط نظام حكم والدها زين العابدين بن علي، على العديد من التراخيص لإحداث مشاريع عائلية من أبرزها بعث شركة أورنج للاتصالات وإذاعة شمس اف ام التي ستصادر بعد الثورة.

يفيد التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة (هيئة دستورية مكلّفة بالعدالة الانتقالية في تونس) أنّ مروان المبروك والصهر الآخر سليم زروق كانا أوّل من دخل إلى قصر قرطاج يوم 14 جانفي/كانون الثاني 2011 (في تمام الساعة 8,25 دق) وذلك دقيقة واحدة فور وصول الرئيس بن علي إلى المكان.
تنفي كلّ هذه المعطيات التاريخية السرديّة التي قدمها مروان المبروك حينما حاول التبرؤ من زوجته السابقة سيرين بن علي أمام القضاء الفرنسي رغم قدم علاقتهما التي تعود إلى سنوات الطفولة والجوار في منطقة “ميتيال فيل” في تونس العاصمة.

يقول الباحث في السياسات الاقتصادية وتاريخ الاقتصاد الريعي في تونس الصغير الصالحي في حديثه مع موقع الكتيبة إنّ علي المبروك(الأب) استفاد من قرب عائلة الهادي المبروك من الهادي نويرة(أصيل المنستير أيضا) الوزير الأوّل في السبعينات ومحافظ البنك المركزي قبل ذلك، موضحا أنّه بعد خروج الحبيب بورقيبة من السلطة( أوّل رئيس للجمهورية التونسيّة ينحدر بدوره من المنستير) كانت معامل علي المبروك تعاني من بعض الصعوبات حيث حصل انحدار إلى غاية زواج مروان المبروك من ابنة الرئيس السابق بن علي في سنة 1996 حينها حدث توسع للنفوذ الاقتصادي وأصبحت العائلة تملك امبراطورية استفادت من الخوصصة والامتيازات التي يمنحها النظام.

“في سنة 2022 تقول مجلة فوربس إنّ إسماعيل المبروك هو أثرى شخص في تونس. إنّ استفادة عائلة المبروك من نظام بن علي لا جدال فيها حيث تتعدّد مظاهرها. هذا النفوذ تواصل حتّى بعد الثورة حيث لا يجب أن ننسى أنّ حكومة الفخفاخ سقطت بسبب عائلة المبروك وقد استماتت حركة النهضة الحاكمة وقتها في الدفاع عنها من خلال ما وصفته بالرأسمال الوطني”

الصغير الصالحي

تهرّب ضريبي وشبهات فساد مالي في أملاك مصادرة

في سنة 2020، كان محمد عبّو، ناشط سياسي ووزير سابق مكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، قد تقدّم بشكاية إلى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية تونس 1 (القطب القضائي الاقتصادي والمالي) وذلك بهدف الإعلام بما اعتبره عبّو شبهات فساد مالي يتعلق بالتصرف بشركتي أنفاستاك وأورونج المصادرتين.
يفسّر عبّو هذه الشكاية بكونها جاءت على إثر ما أفضت إليه نتائج أعمال الرقابة بخصوص التصرف في الأصول المصادرة من مروان المبروك قائلا في التبرير القانوني إنّ للوزارة شبهات فساد قويّة وجديّة يمكن تلخيصها في وجود شبهات استيلاء على المال العام وشبهات استغلال الصفة ومخالفة التراتيب للاضرار بمساهمات عمومية مصادرة في أورنج تونس وأنفاستاك مقابل استخلاص فائدة على معنى الفصلين 96 و99 من المجلة الجزائيّة.

من جهتها، تؤكد هيئة الحقيقة والكرامة في تقريرها الختامي أنّها اعترضت على ما أسمتها المعاملة التمييزية في رفع العقوبات بشكل استثنائي وبصفة غير مبرّرة من قبل حكومة يوسف الشاهد في علاقة بمروان المبروك.
وتضيف الهيئة في متن التقرير أنّها قامت بتاريخ 31 ديسمبر/كانون الأوّل 2018 بإحالة الملفات المتعلقة بمروان المبروك على الدوائر القضائية المتخصّصة وذلك بعد رفضه الاستجابة لاستدعاءاتها، معتبرة أنّ المعني بالأمر متورط في انتهاك إضافي متعلق بالفساد المالي والاعتداء على المال العام والمتمثل في استرجاع أسهمه في شركة أورنج رغم قرار المصادرة وقد تمّ ذلك بقرار من المشرف على لجنة التصرف في الأملاك المصادرة سنة 2013 وهو وزير المالية سليم بسباس الذي سيصبح لاحقا نائبا عن حركة النهضة في البرلمان بين 2014 و2019.
بعيدا عن أطوار هذه القضيّة المعروفة إعلاميا، فإنّه من المهم الوقوف عند بقيّة مظاهر التجاوزات الخطيرة لعائلة المبروك التي رغم ثرائها الفاحش فهي لا تتورّع عن ممارسة الاحتيال الضريبي.

من الواضح وجود شبهات قويّة للتهرّب الضريبي في الداخل والخارج في علاقة بعائلة المبروك.

الخبير في السياسات الجبائية أمين بوزيان

من جهة أخرى يؤكد فريق المستشارين القانونيين و الجبائيين لموقع الكتيبة، أنّ الوقائع المنسوبة لعائلة المبروك في علاقة بالجنّات الضريبيّة في الخارج وتونس في الداخل قد تضع أيضا الثلاثي محمد علي وإسماعيل ومروان تحت طائلة القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلّق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، فضلا العقوبات التي تقّرها مجلة الصرف والمجلّة الجزائيّة (الفصل 96 وما بعده) ومجلّة الحقوق و الإجراءات الجبائيّة.

يقول مصدر من البنك المركزي في تصريح لموقع الكتيبة -طلب عدم نشر اسمه- إنّ امتلاك استثمارات في الخارج دون ترخيص من البنك المركزي يعكس في الظاهر جرائم صرفية وديوانية لكن من خلال التعمق يمكن العثور على جرائم أخرى مثل غسلمصدرنا الأموال التي تتم في العديد من الحالات عبر التجارة.
ويضيف أنّ تبييض الأموال في هذه الوضعية يبنى على كلّ ما يتعلّق بالفوترة ووثائق النقل حيث يمكن التلاعب بالقيمة أو الطريقة لكي تتمّ عملية الزيادة في الفواتير أو التخفيض فيها وهو ما يعطي امكانية لهؤلاء الأشخاص لكي يهرّبوا أموالا إلى الخارج أين لا يدفعون هناك ضرائب أو مجرد دفع مبالغ زهيدة مقابل عدم الخضوع للمساءلة، وفق تعبير ذات المتحدث.

بالرجوع إلى التصاريح السنوية للإخوة المبروك لا نعثر على تصريح من المنتفعين بالأموال التي تحصلوا عليها تحت يافطة مكافآت حضور. هنا تكون جريمة التحيّل الجبائي مكتملة المعالم وذلك حسب منطوق الفصل 101 من مجلة الإجراءات والحقوق الجبائيّة.

مصدر من وزارة الماليّة التونسيّة

وتكشف التصاريح الجبائية لعائلة المبروك تلاعبا بالأرقام يصل إلى حدّ الاحتيال على إدارة الضرائب في تونس. ويستفيد الثلاثي المبروك من امتيازات جبائية قدّرت في سنة 2018 على سبيل الذكر بقرابة 15 مليون دينار. وفي سنة 2019، بلغت قيمة المداخيل المعفاة للثلاثي المبروك زهاء 6.6 مليون دينار.

بقطع النظر عن الأجور الهزيلة التي يصرّح بها الثلاثي المبروك في التصاريح المتعلقة بالضريبة على الدخل، وفق رأي الخبير أمين بوزيان، فإنّ شبهات التهرب الضريبي لا تتعلّق فقط بأنشطة مالكي مجمع المبروك في الملاذات الضريبيّة أو غيرها في الخارج، بل تهمّ أيضا بلد إقامتهم وهو الجمهوريّة التونسيّة وفق ما تثبته مناصبهم وكذلك حركة التنقل في بيانات إدارة الحدود والأجانب بوزارة الداخلية التونسيّة.
من خلال النبش في السجلات الجبائية لإسماعيل المبروك نلاحظ أنّه أقل من يدفع ضريبة على الدخل السنوي من بين الأشقاء الثلاثة. ففي سنة 2021، استفادت خزائن الدولة التونسية بـ 9 آلاف دينار فقط من عائدات الضريبة على الدخل لإسماعيل المبروك بحسب ما يصرّح به. وفي العام الموالي أي 2022، دفع المعني بالأمر ما قيمته 54 ألف دينار تحت عنوان الضريبة على الدخل السنوي بعد القيام بطرح التسبقات (الخصم من المورد).
ما يثير الغرابة في الأرشيفات الجبائية لعائلة المبروك، أنّها لاتتضمنّ ولو إشارة واحدة إلى المداخيل المحقّقة تحت عناوين: منح الحضور، مكافآت مهمات وتوزيع المرابيح والتي قدّرت في سنة 2020 بالنسبة للثلاثي المبروك بحوالي 90 مليون دينار وهو ما يعزّز شبهات التهرّب الضريبي والاحتيال الجبائي.
على الرغم من المحاولات العديدة التي قام بها فريق التحرير بموقع الكتيبة طيلة الأسابيع الأخيرة من أجل تمكين عائلة المبروك من حقّ الردّ والتفاعل والتوضيح والتعليق على جملة هذه الحقائق، فإنّه باستثناء الردّ المقتضب لمروان فإنّنا لم نتلق أي ردّ من إسماعيل ومحمد علي سواء على الرسائل التي أرسلت بالبريد الالكتروني أو البريد السريع (عنوان المنزل والعمل معا) أو في علاقة بالاتصالات الهاتفية و الإرساليات القصيرة.

كلمة الكتيبة:

أنجز هذا التحقيق العابر للحدود بالشراكة مع مشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظمة (OCCRP).وقد شمل هذا العمل الاستقصائي الذي اشتغل عليه موقع الكتيبة طيلة أكثر من 8 أشهر التدقيق في أكثر من 5000 وثيقة مكتوبة بـ5 لغات فضلا عن عشرات التقارير والدراسات والمقالات وساعات عديدة من التسجيلات السمعية والبصرية.

كلمة الكتيبة:

أنجز هذا التحقيق العابر للحدود بالشراكة مع مشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظمة (OCCRP).وقد شمل هذا العمل الاستقصائي الذي اشتغل عليه موقع الكتيبة طيلة أكثر من 8 أشهر التدقيق في أكثر من 5000 وثيقة مكتوبة بـ5 لغات فضلا عن عشرات التقارير والدراسات والمقالات وساعات عديدة من التسجيلات السمعية والبصرية.

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

تدقيق: وليد الماجري
بحث: وائل الونيفي
تصوير : حمزة الفزاني
مونتاج: محمد علي منصالي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني : بلال الشارني
مونتاج: محمد علي منصالي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
تدقيق : وليد الماجري
تصوير : حمزة الفزاني
بحث : وائل الونيفي

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

med
rahma