الكاتب : سماح غرسلي

صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستار صحافة استقصائية بجامعة منوبة

“أنا أعاني من حساسيّة تنتج عن الحرّ لهذا أضطرّ إلى تشغيل المكيّف طيلة فصل الصيف ليلَ نهارَ لساعات طويلة خاصّة في الأيّام التي ترتفع فيها درجات الحرارة. لا يمكن أن أعيش دون هذا المكيّف الذي أنعم من خلاله بالنوم وتجنّب مضاعفات الحساسيّة التي يمكن أن يبرز احمرارها على بشرة جسدي”.

بهذه العبارات، استهلّت عُلا، وهي مواطنة تونسيّة يناهز عمرها 40 سنة حديثها مع موقع الكتيبة حول تأثيرات التغيّرات المناخية على كلفة استهلاكها للكهرباء نتيجة الحاجة إلى المكيّف التي تقول إنّها قد اقتنته عبر صديق لها من ليبيا منذ سنة 2010.

تقطن عُلا بمحافظة نابل الساحليّة التي سجلت في سنة 2018 (بتاريخ 12 أوت) رقما قياسيا جديدا في نسبة ارتفاع درجات الحرارة حيث بلغت يومها 46.3 درجة.

تؤكّد محدّثتنا أنّ دخلها الشّهري الزّهيد بات مثقلا في فصل الصيف والأشهر التي تليه بكلفة فاتورة الكهرباء الباهظة حيث أنّ قيمة هذه الكلفة تتضاعف بما يناهز أحيانا 4 مرّات مقارنة بالفواتير التي تقوم بخلاصها في فصل الشتاء الذي تستعمل فيه بشكل نادر نفس المكيّف للتدفئة، معربة عن مخاوفها من أن يرتفع سعر الكهرباء أكثر في السنوات القادمة، ما قد يزيد من إضعاف قدرتها الشّرائيّة.

تضيف عُلا قائلة: “إذا تواصل هذا الارتفاع في تكلفة استعمال المكيّف خاصّة في فصل الصيف وفي بعض الفترات من شهري سبتمبر وأكتوبر نتيجة الارتفاع الجنوني لدرجات الحرارة بشكل غير مسبوق في العقود الماضية فإنّي قد أصبح مستقبلا عاجزة عن خلاص الفاتورة نظرا لضعف دخلي الشهري.”

في الواقع، هذه الهواجس التي عبّرت عنها المواطنة عُلا لا تقتصر فقط على شخصها بل هي تعكس مشكلا عويصا بات يؤرّق جلّ العائلات التونسيّة خاصّة من الطبقات الوسطى والفقيرة التي تضرّرت كثيرا من تكلفة التغيّرات المناخية خاصة على المستوى الطاقي في علاقة بالقيمة المالية لاستهلاك الكهرباء لا سيّما في فصل الصيف.

الكاتب : سماح غرسلي

صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستار صحافة استقصائية بجامعة منوبة

“أنا أعاني من حساسيّة تنتج عن الحرّ لهذا أضطرّ إلى تشغيل المكيّف طيلة فصل الصيف ليلَ نهارَ لساعات طويلة خاصّة في الأيّام التي ترتفع فيها درجات الحرارة. لا يمكن أن أعيش دون هذا المكيّف الذي أنعم من خلاله بالنوم وتجنّب مضاعفات الحساسيّة التي يمكن أن يبرز احمرارها على بشرة جسدي”.

بهذه العبارات، استهلّت عُلا، وهي مواطنة تونسيّة يناهز عمرها 40 سنة حديثها مع موقع الكتيبة حول تأثيرات التغيّرات المناخية على كلفة استهلاكها للكهرباء نتيجة الحاجة إلى المكيّف التي تقول إنّها قد اقتنته عبر صديق لها من ليبيا منذ سنة 2010.

تقطن عُلا بمحافظة نابل الساحليّة التي سجلت في سنة 2018 (بتاريخ 12 أوت) رقما قياسيا جديدا في نسبة ارتفاع درجات الحرارة حيث بلغت يومها 46.3 درجة.

تؤكّد محدّثتنا أنّ دخلها الشّهري الزّهيد بات مثقلا في فصل الصيف والأشهر التي تليه بكلفة فاتورة الكهرباء الباهظة حيث أنّ قيمة هذه الكلفة تتضاعف بما يناهز أحيانا 4 مرّات مقارنة بالفواتير التي تقوم بخلاصها في فصل الشتاء الذي تستعمل فيه بشكل نادر نفس المكيّف للتدفئة، معربة عن مخاوفها من أن يرتفع سعر الكهرباء أكثر في السنوات القادمة، ما قد يزيد من إضعاف قدرتها الشّرائيّة.

تضيف عُلا قائلة: “إذا تواصل هذا الارتفاع في تكلفة استعمال المكيّف خاصّة في فصل الصيف وفي بعض الفترات من شهري سبتمبر وأكتوبر نتيجة الارتفاع الجنوني لدرجات الحرارة بشكل غير مسبوق في العقود الماضية فإنّي قد أصبح مستقبلا عاجزة عن خلاص الفاتورة نظرا لضعف دخلي الشهري.”

في الواقع، هذه الهواجس التي عبّرت عنها المواطنة عُلا لا تقتصر فقط على شخصها بل هي تعكس مشكلا عويصا بات يؤرّق جلّ العائلات التونسيّة خاصّة من الطبقات الوسطى والفقيرة التي تضرّرت كثيرا من تكلفة التغيّرات المناخية خاصة على المستوى الطاقي في علاقة بالقيمة المالية لاستهلاك الكهرباء لا سيّما في فصل الصيف.

المكيّفات الكهربائية تثقل كاهل المواطن

يفيد تقرير المهمّة الرقابيّة لمحكمة المحاسبات حول منظومة التحكّم في الطاقة الصادر في سنة 2018، أنّ نسبة استهلاك المكيّفات للطاقة ارتفعت خلال الفترة الممتدّة بين 2009 و 2014 بصفة غير طبيعيّة حيث بلغت 260%، وهي أعلى نسبة مسجّلة من بين جميع الأجهزة الكهرومنزلية. وتطوّر في الفترة ذاتها عدد المكيّفات الفرديّة من 437 ألف إلى 1.2 مليون مكيّف.

وقال رئيس مصلحة إدارة النجاعة الطاقية في قطاع البناءات بالوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، عبد الرحمان المحفوظي لإذاعة موزاييك إنّ “مدّة استعمال التكييف ارتفعت من 3 إلى 7 أشهر، بسبب التغيّرات المناخية”.

وأفاد المحفوظي أنّ عدد المكيّفات بلغ 2 مليون سنة 2023 بعد أن كان لا يتجاوز 8 آلاف مكيّف مستخدما في تونس سنة 1984، معتبرا أنّ “هذا الرقم مهول”، ومنبّها إلى أنّ المكيّفات تتسبّب في خسائر طاقيّة وبيئيّة للدولة.

في سياق متّصل، يبرز تقرير المهمّة الرقابية لمحكمة المحاسبات أنّه على الرغم من تحجير ترويج المكيّفات الفرديّة الأكثر استهلاكا للطاقة، إلّا أنّ معدّل استهلاكها السنوي للكهرباء ارتفع. كما تطوّرت مبيعاتها في السوق الموازية من 14% في 2009 إلى 80% في 2014.

وقدّرت المحكمة كلفة الكهرباء الإضافيّة المستهلكة جرّاء تطوّر مبيعات السوق الموازية للمكيّفات الفرديّة خلال الفترة الممتدّة بين 2010 و 2016 مقارنة باستهلاك المكيّفات الفرديّة المروّجة عبر المسالك المنظّمة، بحوالي 11 مليون دينار، إضافة إلى 3 مليون دينار من الدعم وإلى قيام الستاغ باستثمارات إضافية لتوفير الكهرباء في حدود 339 م.د كان بالامكان تفاديها.

وكانت شركة الكهرباء والغاز قد كشفت، في استبيان نشرت نتائجه في فيفري/ شباط 2022، أنّ عدد مكيّفات التبريد في تونس تضاعف 10 مرّات بين 2009 و2019، حيث كان عدد المكيّفات 234 ألفا في سنة 2009 ليرتفع إلى مليون و681 ألف مكيّف في 2019.

وأظهرت نتائج الاستبيان الدوري الذي تعدّه الشركة كل خمس سنوات، أن نسبة تجهيز الأسر التونسية بمكيّفات التبريد ارتفعت من 48% في 2020 إلى حوالي 51% في 2022.

وأوضح الاستبيان نفسه أنّ القدرة المركّزة حسب المتر المربّع الواحد من المكيّفات بلغت10 أمتار مربّعة في المناطق الحدودية الجنوبية للجمهورية التونسية، مقابل 7 أمتار مربّعة في بقية المناطق. فضلا عن أنّ حوالي 36% من مكيّفات التبريد في تونس والتي تركّزت في القطاع المنزلي خلال السنوات الثلاث الأخيرة كانت غير مطابقة للمواصفات الحكوميّة.

في سياق متّصل، كشفت الوكالة الوطنيّة للتحكّم في الطاقة، خلال ندوة صحفيّة عقدتها في 21 جوان/ حزيران 2024، أنّ تشغيل المكيّف لمدّة ساعة يعادل استهلاك 9 ثلّاجات أو 12 تلفازا أو 160 مصباحا. كما أنّ حوالي 75% من الطاقة الكهربائية المستهلكة في فصل الصيف موجّهة للتكييف.

يبيّن تقرير محكمة المحاسبات المتعلّق بمنظومة التحكّم في الطاقة المذكور آنفا أنّه مع غياب عمليّات توعوية وإجراءات تحفيزيّة ناجعة لتوجيه المستهلك إلى المكيّفات المقتصدة، يبقى السّعر العامل الأساسي المحدّد لاقتناء المكيّفات الفردية عبر اللجوء إلى السوق الموازية، لتسجّل مداخيل صندوق الانتقال الطاقي بين 2010 و2016 نقصا بحوالي 80.7 مليون دينار كانت ستخصّص لمشاريع التحكّم في الطاقة.

ويقول الخبير في الجيولوجيا والطاقة غازي بن جميع في مقابلة مع موقع الكتيبة إنّ حاجة المواطن الملحّة للتخفيف من ارتفاع درجات الحرارة تجبره على استهلاك كمّيات أكبر من الكهرباء من خلال المكيّفات الكهربائية، باعتبار أنّ الارتفاع المتواصل لدرجات الحرارة يؤثّر على مردوديّة المواطن وقدرة تحمّله، ما يضطرّه إلى تشغيل المكيّف لساعات طويلة متجاهلا أنّه يُصنّف من أكثر الآلات استهلاكا للطاقة. وفي بعض الأحيان، يلجأ الفرد إلى استعمال أكثر من مكيّف في المنزل الواحد، الأمر الذي يؤدّي إلى ارتفاع نسبة استهلاكه للكهرباء وبالتالي ارتفاع قيمة فاتورة الكهرباء، وفق تفسيره.

ويحثّ الخبير في الجيولوجيا والطاقة غازي بن جميع الدولة على ضرورة منع استعمال المكيّفات التي لا تحترم المواصفات ومنع توريدها وأن تسرّع في توريد المكيّفات التي تستهلك ثلث ما تستهلكه المكيّفات العادية من الكهرباء.

تعتبر محكمة المحاسبات في تقريرها أنّ استراتيجية ترشيد استهلاك الكهرباء للآلات الكهرومنزلية المتّبعة منذ سنة 2004 المتواصلة إلى اليوم -والمتمثّلة في إحداث برنامج التأشير الطاقي لهذه الأجهزة- لم تبلغ أهدافها بالمرّة.

وقد اعتمدت الحكومة التونسية منذ 2004 معايير في ترتيب هذه الأجهزة حسب قوّة استهلاكها للطاقة الكهربائية والتأشير فقط للأجهزة المقتصدة ومتوسّطة الاستهلاك لطرحها للبيع في الأسواق المحلّية، مع اتباع سياسات تتصدّى لعمليّات ترويج الآلات والتجهيزات عالية الاستهلاك والمتأتية أساسا من التهريب.

وذكر التقرير نفسه أنّ الآلات الكهرومنزلية الخاضعة للتأشير المسبق لا تتجاوز آلات التبريد من ثلّاجات ومكيّفات في قيمة الإستهلاك.

رغم كلّ الإجراءات المتّبعة، 80% من المكيّفات المستعملة من قبل التونسيين غير اقتصادية وتمّ اقتناؤها من الأسواق الموازية.

تقرير محكمة المحاسبات

يفسّر أستاذ علم المناخ بالجامعة التونسيّة زهير الحلّاوي، ظاهرة ارتفاع نسبة استهلاك الكهرباء والتي أثّرت على القدرة الشرائية للمواطن، بأنّ “دفاع هذا الأخير ضدّ التغيّرات المناخيّة يكمن في محاولته التأقلم مع هذه التغيّرات ومحاولة الصمود أمامها عبر كثرة استهلاك الكهرباء وتشغيل المكيّفات”.

نعلم أنّ تونس ليست من البلدان المنتجة للطاقة، ومصادر الطاقة في تونس إمّا تكون أحفوريّة (الغاز والبترول) أو مستوردة من الجزائر. كما أنّ تزايد الطّلب على الكهرباء يرفّع من نسبة الطلب على الطاقة، وبالتالي تجد تونس نفسها مجبرة على التوريد أكثر وهذا له كلفة ماليّة وكلفة سياسيّة باهظة على تونس”.

أستاذ علم المناخ بالجامعة التونسيّة زهير الحلّاوي

من جانبه، يقول المختصّ في صيانة المكيّفات الهوائية الهادي درغام لموقع الكتيبة، إنّ “المكيّفات العاديّة لا تتجاوز قدرة تحمّلها 40 درجة باحتساب درجة حرارة المكيّف في حدّ ذاته، وحرارة المناخ الخارجي -المكيّف له حرارة داخليّة تنتج عن احتكاك المحرّك”.

ويضيف درغام: “مع ارتفاع درجات الحرارة في تونس والتي بلغت 46 درجة، أصبح هذا النوع من المكيّفات لا يرضي المواطن، فيبحث عن البديل، وهنا نجد النوع الآخر من المكيّفات الذي يتميّز بخاصّية “الأنفرتر” والذي يصفونه بالمكيّف التلقائي أو الاستوائي، والذي يتحمّل درجة حرارة تصل إلى 62 درجة”.

ويبيّن المتحدث ذاته أنّ هذا النوع من المكيّفات يتأقلم مع تقلّبات درجات الحرارة وارتفاعها الملحوظ. وقد تمّ تطويره في اليابان سنة 1982 وبدأ توريده إلى تونس منذ 4 سنوات تقريبا بأسعار باهظة.

وفي علاقة بتباين الأسعار، يوضّح درغام أنّ “أسعار المكيّفات التي تدخل إلى تونس عبر المسالك القانونية وتمرّ بكلّ الإجراءات الجمركيّة والمتوفّرة في المساحات التجارية أكبر بكثير من أسعار المكيّفات الموجودة في الأسواق الموازية”. على سبيل المثال، يبلغ سعر مكيّف صغير الحجم في الفضاء التجاري حوالي 1700 دينار (550 دولار) في حين يباع في الأسواق الموازية بسعر لا يتجاوز على أقصى تقدير 1000 دينار (حوالي 300 دولار).”

ويبرز الهادي درغام في متن حديثه للكتيبة “أنّ أسعار المكيّفات في المساحات التجاريّة لم تكن قارّة بالمرّة بل ترتبط بالعرض والطّلب وارتفاع درجات الحرارة وتغيّر المناخ، علاوة على أنّ بعض المساحات التجاريّة تبيع مكيّفات لا تحترم المواصفات ولا تحمل حتّى مؤشّر الطاقة وفي الأغلب هي مكيّفات مهرّبة، خصوصا وأنّ الرقابة تكاد تكون منعدمة في علاقة بمسالك تزويد المكيّفات في المساحات الكبرى وفي النقاط الخارجية بالجملة أو بالتفصيل”،وفقا لما جاء على لسانه.

وردّا على سؤال حول سلوك المواطن التونسي واستعماله للمكيّف، يقول درغام “إنّ المواطن التونسي يتفاجأ بفاتورة الكهرباء التي تكون باهظة وصادمة في بعض الأحيان بسبب سوء استخدامه للمكيّف رغم أنّه يعلم جيّدا أنّه من أكثر الآلات استهلاكا للطاقة. وقد تبلغ قيمة استهلاكه اليوميّة ما يعادل 25 دينارا إذا لم يقع ترشيد الاستهلاك، وتكون عواقب ذلك بعد مرور أشهر وخيمة وتتلخّص في فاتورة مشطّة يعجز المواطن على تسديدها.”

في ردّها على مطلب النفاذ للمعلومة الذي توجه به موقع الكتيبة بتاريخ 26 جويلية/ تمّوز 2024 ، أكدت الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة أنّ حوالي 60 % من مكيّفات التبريد في تونس تستجيب لمواصفات مؤشر الطاقة وأنّ حوالي 50% من المساكن التونسية مجهّزة بمكيف على الأقل. كما أنّ الوكالة لا تملك معطيات حول توزّع المكيّفات وقدرة استهلاكها بين أماكن العمل والمحلاّت التّجارية والترفيهية وفي القطاع الخاص والعام، وفق قولها.

من جهة أخرى، تقول الوكالة “إنّ المكيّفات المطابقة للمواصفات تستهلك ما بين 50 و80 % أقل مقارنة بالأخرى غير المطابقة لمواصفات التصنيف الطاقي والتي تمثّل خطرا على سلامة المستعمل ( خطر الحريق أو تماس كهربائي…).”

وحول استعداداتها لمواجهة التحدّيات التي تخلّفها التغيرات المناخية وتزايد الطلب على الكهرباء بسبب ارتفاع درجات الحرارة، تقول الوكالة إنّها “تعمل على التحكّم في الطلب على الطاقة من خلال برنامج الرصانة الطاقية ودعم برامج الطاقة المتجدّدة والاستثمار فيها وتنويع مصادر التزود بالطاقة، واستخدام أحدث التكنولوجيات في برامج الانتقال الطاقي على غرار برنامج التأشير الطاقي للتجهيزات وإنشاء آليات تمويله للنهوض بتجهيزات التكييف الناجعة طاقيا وتعزيز الحملات التحسيسية واحترام التقنين الحراري للبنايات”، وفق ما جاء في نصّ الردّ.

كما تعمل الوكالة “من خلال استراتيجيتها على تنفيذ وتطوير برنامج التصنيف الطاقي للتجهيزات عامّة ولأجهزة التكييف خاصّة، كما تشجّع على البناءات المستدامة والمقتصدة للطّاقة، وتنفيذ إجراءات الرصانة والنجاعة الطاقية التي أقرّرها المجلس الوزاري بتاريخ 11 أفريل/ نيسان 2023 والمتعلّقة بالاستراتيجية الوطنية لقطاع الطاقة في أفق 2035″، بحسب نفس المصدر.

يشار إلى أنّ وكالة التحكم في الطاقة أفادت في الردّ على مطلب النفاذ إلى المعلومة أنّ معدّل استهلاك المكيّف الواحد من الكهرباء في تونس يقدّر بحوالي 450 كيلواط ساعة في السنة لكلّ مسكن.

معدّل الاستهلاك السنوي لكلّ أسرة يقدّر بحوالي 30% من الاستهلاك السنوي لفاتورة الكهرباء وأكثر من 70% من استهلاك الكهرباء في الصيف فقط.

الوكالة الوطنية للتحكّم في الطاقة

فضلا عن ذلك، فإنّ الوكالة تفيد أنّ استهلاك الكهرباء الموجه للتكييف والتسخين في القطاع العمومي يمثل حسب دراسة قامت بإعدادها في 2020 حوالي 50% من جملة الفاتورة الطاقيّة.

هل “الستاغ” جاهزة لمواجهة كلفة التغيّرات المناخيّة؟

تشابهت خلال السنوات الأخيرة، وتكرّرت تصريحات مسؤولي الشركة التونسية للكهرباء والغاز “الستاغ” في علاقة باستعدادات الشّركة لكلّ المواسم والفصول. ولا تختلف تلك التصريحات عمّا أعلنت عنه الشركة التونسية للكهرباء والغاز من استعدادات لصائفة 2024، حيث أكّدت في بلاغ توضيحي أصدرته بتاريخ 21 جوان/ حزيران 2024 “جاهزية بنيتها التحتية وكلّ محطّاتها لمجابهة ذروة استهلاك صائفة 2024 دون اللجوء إلى القطع الدوري للكهرباء بصفة آليّة خلافا لما يتمّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي”، وفق نصّ البلاغ.

إلّا أنّ ما رصده موقع الكتيبة على أرض الواقع يفنّد ما جاء في بلاغ “الستاغ”، إذ تكرّرت انقطاعات التيّار الكهربائي في مختلف ولايات الجمهورية منذ انطلاق صيف 2024 بالتزامن مع الارتفاع الهامّ لدرجات الحرارة، ممّا خلق حالة من الاستياء والغضب في صفوف المواطنين.ات.

وكان المدير العامّ للشركة التونسية للكهرباء والغاز فيصل طريفة قد أعلن في تصريح للإذاعة الوطنية أنّ الشركة ستضطرّ لقطع الكهرباء في فصل الصيف على بعض المناطق لمدّة نصف ساعة في صورة عدم إيجاد المعادلة الملائمة لتوفير الكهرباء للجميع.

وأكّد أنّ قطع الكهرباء سيكون في الحالات القصوى فقط، موضّحا أنّ ذروة الاستهلاك مرتبطة باستعمال المكيّفات التي تُسبّب ضغطا على شبكات الشركة.

يعود قصور الشركة التونسية للكهرباء والغاز وتواتر الاضطرابات والانقطاعات في التيّار الكهربائي وعجزها عن التعامل مع الأرقام القياسيّة لدرجات الحرارة وما تسبّبه من ضغط إلى غياب استراتيجية واضحة لتطوير البنية التحتيّة للشركة وتطوير عمليّات نقل وتوزيع الكهرباء، وذلك نتيجة الأزمة المالية التي تواجهها الشركة بسبب تفاقم ديونها.

وكان مدير الاستخلاص بالشركة التونسية للكهرباء والغاز فتحي الخلفاوي قد صرّح في فيفري/ شباط 2024 لإذاعة موزاييك أنّ الستاغ في وضع حرج وديونها فاقت 3 آلاف مليون دينار سنة 2023. ويمثّل القطاع الخاص قرابة 58% من جملة هذه الديون.

كما أن إدارة الشركة قدّمت مذكّرة عمل لتقديم تسهيلات في الدفع للمواطن حيث يمكن أن يدفع 30% من قيمة الفاتورة ويقسّط بقيّة المبلغ.

لا يخفى على أحد أنّ الشركة التونسية للكهرباء والغاز تتخبّط منذ عقود في الدّيون التي تتراكم سنة تلو الأخرى.

تطرّقت محكمة المحاسبات، في تقرير المهمّة الرقابية حول منظومة التحكّم في الطاقة لسنة 2018، إلى الكلفة العالية لاستهلاك أعوان الشركة وإطاراتها في من الكهرباء، علما أنّ عددهم حينها كان 10872 عونا مباشرا. وقدّرت هذه الكلفة بحوالي 11.4 مليون دينار في نهاية 2014.

تجدر الإشارة إلى أنّ عدد الأعوان المباشرين في سنة 2023 بلغ 13271 عونا مباشرا. وقد دعت محكمة المحاسبات في التقرير المذكور إلى ضرورة مراجعة هذا الامتياز وترشيده.

من جهته، أفاد مرصد رقابة، من خلال تقرير نشر في سنة 2023 كشف بالأرقام تطوّر أوضاع الشركة التونسية للكهرباء و الغاز، أنّ الشركة التونسية للكهرباء والغاز سجّلت خلال السنوات الـ10 المنقضية خسائر بقيمة 4153 مليون دينار منها 3348 مليون دينار خلال سنوات 2017 و2018 و2020، ما يعادل 81% من جملة الخسائر.

وتعود هذه الخسائر أساسا، وفق ذات المصدر، إلى ارتفاع الأعباء المالية المتكوّنة من القروض وخسائر الصّرف، علاوة على الارتفاع الذي شهدته كلفة شراء المواد الأساسية، إلى جانب أعباء الأعوان والناتجة أساسا عن الزيادة في الأجور والمنح.

وشهد عدد الأعوان في الستاغ ارتفاعا بنسبة 42% في حين ارتفعت الأعباء المتعلّقة بهم بنسبة 130%. كما عرف معدّل الأجر السنوي الخام باحتساب كلّ المساهمات زيادة بنسبة 63% ليناهز ما يقدّر بـ43.9 ألف دينار سنة 2020، وفق مرصد رقابة.

تقدّر قيمة الأموال الذاتيّة للشركة التونسية للكهرباء والغاز بحوالي 2279 مليون دينار. وتقارب الخسائر المتراكمة 4000 مليون دينار رغم ارتفاع مداخيل الشركة بنسبة 135% لتبلغ سنة 2020 ما يقارب 5600 مليون دينار، في حين تقدّر قيمة القروض بـ 7000 مليون دينار، وذلك بحسب معطيات جمّعها موقع الكتيبة من الموقع الرسمي لـ “الستاغ” ونشريّة الموازنة الماليّة والتدفّقات لسنة 2020.

يشار إلى أنّ شركة الكهرباء والغاز سجّلت سنة 2023 رقم معاملات يقدّر بـ 5860 مليون دينار، علما وأنّ الشركة لم تقم بنشر الموازنة الماليّة والنتائج والتدفقات الماليّة لسنتي 2022 و2023 إلى حد الآن.

في علاقة بدور الشركة التونسية للكهرباء والغاز في تجاوز مشكلة العجز الطاقي، يقول الخبير في الجيولوجيا والطاقة غازي بن جميع، في حديثه لموقع الكتيبة :

الشركة يجب أن تكون دائما مستعدّة وجاهزة لأوقات الذروة وبالتالي تتجاوز الضغط عند كثرة الإقبال على الاستهلاك وتتفادى الانقطاعات المتكرّرة للكهرباء، إلّا أنّ الشركة في الوقت الحالي تلجأ إلى توريد الكهرباء من الجزائر في ظلّ ضعف الإنتاج المحلّي وغياب الاستعداد الكافي لفترات الضغط.

الخبير في الطاقة غازي بن جميع

ويضيف بن جميع، في تعليق على ظاهرة التبذير وسوء التصرّف واستهلاك الطاقة قائلا: “الأمر المحيّر أنّ كلّ المشاكل التي تعترض تونس تجد لها الدولة حلولا وتضع لها استراتيجيّات من أجل حلحلتها لكنّها تبقى دون تنفيذ أو لا يتمّ الانطلاق في إنجاز وتطبيق هذه الاستراتيجيات، وعند البحث لا نجد أيّة حلول ملموسة”.

واعتبر المتحدث ذاته “أنّ تراجع أداء الشركة التونسية للكهرباء والغاز ومردوديّتها يعود إلى سياسة الشركة بشكل عامّ”. وأضاف:

عدد موظّفي الشركة التونسية للكهرباء والغاز يُعدّ كبيرا جدّا وأغلبهم يستهلكون الكهرباء على حساب المؤسّسة ويتمتّعون بامتيازات هامّة، ممّا يثقل كاهل الشّركة.

الخبير في الطاقة غازي بن جميع

كما يشير بن جميع أيضا إلى قيمة الديون المتخلّدة بذمّة المؤسسات والمنشآت العمومية والشركات الخاصّة لدى “الستاغ” والتي لم يقع سدادها إلى غاية اليوم، علاوة على غياب إجراءات وقرارات صارمة تخصّ استخلاص هذه الديون.

ويردف بالقول: “مصابيح الإنارة في شوارع تونس تعمل حتّى في النهار و طيلة اليوم بتعلّة أن الشركة تقوم بإصلاح الأعطاب في شبكات التنوير. هذه التصرفات غير سليمة وفيها تبذير للطاقة ويجب تشديد المراقبة على هذه المؤسسات للحدّ من التجاوزات والاختلالات التي تحول دون الترشيد في استهلاك الطاقة.”

في تونس لا توجد رقابة وإذا ما وُجدت لا يقع تنفيذ العقوبات ولا حتّى عرض التقارير الرقابيّة خصوصا في ما يتعلّق بترشيد استهلاك الطاقة والتبذير.

الخبير في الطاقة غازي بن جميع

في السياق ذاته، يقول المختصّ في صيانة المكيّفات الهوائيّة الهادي درغام إنّ “الشركة التونسية للكهرباء والغاز أنجزت بنيتها التحتيّة وكأنّه لا يوجد في تونس إلا منزل واحد في كلّ 400 متر، وأنّ كل بيت يحتوي على ثلّاجة وتلفاز وغسّالة ملابس فقط. لكن في الواقع، تونس تعاني الاكتظاظ العمراني وفي كلّ 50 متر يوجد مولّد كهرباء وفي كلّ 50 متر يوجد 3 منازل وكلّ منزل فيه مكيّف كهربائي واحد على الأقل”.

كما توجد أيضا “مشكلة كبيرة على مستوى علاقة المواطن بالشركة التونسية للكهرباء والغاز تعود إلى البيروقراطية التي تُطيل أيّ إجراءات أو مطلب يتقدّم به المواطن”، وفق المصدر نفسه.

ويضيف درغام لموقع الكتيبة “أنّ المواطن التونسي تطوّر في حين لم تعرف الستاغ أيّ تطوّر، وتقوم بمحاسبة المواطن من خلال الفاتورة آخر كلّ موسم. في المقابل، لا يمكن للمواطن أن يحاسبها على تردّي خدماتها وتقاعسها في إسداء الخدمات رغم استيفاء المواطن لكلّ الشروط ودفع كلّ المعاليم خاصّة في ما يتعلّق بمشاريع الألواح الشمسيّة.”

وفي ما يهمّ الانقطاعات المتكرّرة للتيّار الكهربائي، يقول الهادي درغام “إنّ الشركة ترتكب جرائم ضد الإنسانيّة في حقّ المواطنين المرضى الذين ترتبط حياتهم بتوفّر الكهرباء. ومن الضروري أن تقوم الشركة بالاستثمار وتطوير أسطولها وبنيتها التحتيّة وتتجنّب سياسة الترقيع التي لا تنفع.”

ويضيف “انّ ارتفاع درجات الحرارة ليس صدفة بل ظاهرة والعالم بأكمله على علم بآثار التغيّرات المناخيّة ويتعيّن على الستاغ أن تستعدّ بدورها لهذه التغيّرات.”

من المهم الإشارة إلى أنّ الجزائر قامت مؤخرا بـ” إسعاف” تونس بـ 1000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية إثر عطب أصاب إحدى المحطات الكهربائيّة التابعة للشركة التونسيّة للكهرباء والغاز.

وقالت الشركة الجزائرية “سونلغاز” في بيان لها بتاريخ 7 سبتمبر/ أيلول 2024 إنّ إمداد تونس بالكهرباء سمح بتدارك الوضع وضمان استمرارية تزويد البلاد بالكهرباء، مفيدة بأنّ هذا الرقم يعتبر قياسيّا في ما يتعّلق بصادراتها من الكهرباء إلى تونس.

وأكدت الشركة أنّ إمداد تونس بالكهرباء سمح بتدارك الوضع وضمان استمرارية تزويد البلاد بالكهرباء وضمان توازن منظومة النقل.

وأوضحت الشركة الجزائرية أنّ هذا الرقم يعتبر قياسيا في علاقة بصادرات “سونلغاز” من الكهرباء إلى تونس.

الانتقال الطاقي في تونس: الفريضة الغائبة

أفرز ميزان الطاقة الأوّلية في تونس عجزا بـ4.6 مليون طن في 2021 مقابل عجز بـ 5.2 مليون طن سنة 2020، علما أنّ هذا العجز كان في حدود 0.6 مليون طن سنة 2010، إذ تضاعف بأكثر من 8 مرّات خلال هذه الفترة. وارتفعت بذلك نسبة الاستقلالية الطاقية -أي نسبة تغطية الموارد المتاحة للطلب الجملي- من 43% سنة 2020 إلى 53% في 2021، وفقا لبيانات رسميّة صادرة عن وزارة الطاقة التونسيّة.

أمّا بالنسبة إلى سنة 2024، فقد ارتفع استهلاك المواد البترولية في تونس بنسبة 2% إلى موفى جوان/ حزيران 2024 مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2023.

وسجّل استهلاك البنزين ارتفاعا بنسبة 14% فيما ارتفعت نسبة استهلاك الغازوال بـ4% ونسبة استهلاك كيروزان الطيران بـ 7% مقارنة بالسنة الفارطة، بحسب بيانات المرصد الوطني للطاقة. في المقابل، انخفض استهلاك فحم البترول بنسبة 16% مقارنة بالسنة الفارطة.

وبلغ الطّلب على الغاز الطبيعي إلى موفّى شهر جوان/ حزيران الفارط 2.1 مليون طن مكافئ نفط، مسجّلا بذلك انخفاضا بنسبة 3 % وذلك بالمقارنة مع شهر جوان/ حزيران من السنة المنقضية.

وسجّل الطلب من هذه المادّة لإنتاج الكهرباء انخفاضا طفيفا بنسبة 1%. ويرجع ذلك، وفق المرصد الوطني للطاقة والمناجم، بالأساس إلى محدودية توفّر الغاز. وتبلغ حصّة الطلب لإنتاج الكهرباء حوالي 67%.

في هذا الإطار، يقول الخبير فى الجيولوجيا والطاقة غازي بن جميع إنّ تونس شهدت تراجعا كبيرا في إنتاج المحروقات بداية من التسعينات حيث كانت تنتج في فترة الثمانينات ما يقارب 80 ألف برميل من النفط في اليوم، بينما لا يتجاوز الإنتاج اليوم 28 ألف برميل في اليوم، ممّا جعلها مضطرّة إلى توريد احتياجاتها من الطاقة كالنفط والغاز من الجزائر. وهذا الارتفاع في نسبة التوريد مرتبط بتراجع إنتاج حقول النفط التونسية.

وقد وضعت تونس منذ سنة 2000 مخطّطا لتلافي هذا العجز الطاقي لكن التأخير في إنجاز هذا المخطّط وضعف الاستراتيجية التي وضعتها حالا دون تجاوز هذه الأزمة الطاقية خصوصا أنّ تونس فشلت في جلب الاستثمار في قطاع الطاقة.

انّ تكلفة العجز الطاقي اليوم تقدر بـ 9 مليار دينار وهذا يعتبر مكلّفا جدّا بالنسبة إلى دولة مثل تونس تواجه العجز المائي والعجز الطاقي في آن واحد بسبب التغيّرات المناخية في كامل كوكب الأرض.

الخبير في الطاقة غازي بن جميع

وساهمت تكلفة الدعم على الغاز التي تقدّر بـ75% في تعميق أزمة العجز الطاقي والذي أثّر بدوره على اقتصاد البلاد، وفق المتحدّث ذاته.

ويؤكد غازي بن جميع أنّ “الانتقال نحو الطاقات البديلة في تونس تعترضه عدّة عوائق أهمّها أنّ هذه الطاقات البديلة لا تُنتج إلّا في فترات محدّدة وبالتالي لا مفرّ من الوصول إلى مرحلة لا تتوفّر فيها حاجيات تونس من الطاقة”.

مازالت تونس لا تعي هول الانعكاسات التي خلّفتها التغيّرات المناخية خصوصا على قطاع الطاقة. والقادم أسوأ إن لم تتعامل بجدّية أكثر مع الوضع.

الخبير في الطاقة غازي بن جميع

ويشير المتحدث ذاته في المقابل إلى “أنّ الانتقال الطاقي ضرورة بالنسبة إلى تونس في ظلّ عدم توفّر الحاجيات الضرورية من البترول والغاز وارتفاع الطّلب على الطاقة في ظلّ التغيّرات المناخية اليوم.”

كما توجد في تونس “طاقات أخرى يمكن استغلالها والاستثمار فيها على غرار الطاقة الجيوحرارية والتي تعدّ مصدرا مهمّا للطاقة ويتمّ استعمالها في عدّة دول أوروبية. ويمكن أيضا الاستثمار في طاقة الأمواج التي تساعد في إنتاج الطاقة”، وفق المصدر ذاته.

ويضيف بن جميع قائلا: “من المؤسف أنّ تونس ركّزت فقط على الطاقة الشمسيّة وطاقة الرّياح. ومع ذلك ما تزال غير جدّية في تنفيذ المشاريع الخاصّة بالطاقة الشمسية”.

تجدر الإشارة الى أنّ وزارة الطاقة قامت بإعداد المخطّط الوطني لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجدّدة 2022-2025 على النحو المنصوص عليه بالفصلين 3 و40 من القانون عدد 12 لسنة 2015. وتمّ نشره والمصادقة عليه خلال المجلس الوزاري بتاريخ 12 أفريل/ نيسان 2022. ويحدّد بالتفصيل القدرات التي سيتم تطويرها حسب أنظمة الإنتاج والتكنولوجيات خلال هذه الفترة.

يقول الخبير في التغيّرات المناخية زهير الحلاوي إنّه “من أجل مواجهة ظاهرة الاحترار وارتفاع درجات الحرارة يجب التأقلم معها من قبل الفرد والمجموعات والدولة، وذلك من خلال تغيير الفرد لتصرّفاته وعقلنة استهلاكه للطاقة والكهرباء”.

ويحثّ الجامعي المتخصّص في علم المناخ زهير الحلاوي المجموعات على غرار الجمعيات والمنظمات والبلديات على ضرورة إدراج مشاريع في برامجها تساهم في تخفيض نسبة إنتاج الغازات الدفيئة من خلال التشجير وتنمية الغطاء النباتي واكتساب ما وصفها بـ”نظّارات التغيرات المناخية” وما تخلّفه من تأثيرات وانعكاسات على أرض الواقع.

وذكّر بالدور المهم للدولة بمختلف هياكلها المركزية والمحلّية في إيجاد الحلول لمشكلة العجز الطاقي عبر السعي لإيجاد الوسائل المالية أو ما يسمّى بالتمويل المناخي من أجل بعث مشاريع تخفف من إنتاج الغازات الدفيئة وتساعد على حسن استغلال الموارد الطاقية على غرار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

الألواح الشمسية في تونس حاليّا لا تغطي احتياجاتنا لكن يجب السعي للاستثمار أكثر وبشكل أسرع في الطاقات البديلة، والانتقال إلى هذه الطاقات يجب أن يكون سريعا ومتدرّجا ويجب ألّا يقع القطع نهائيا مع الطاقات الأحفورية.

أستاذ علم المناخ زهير الحلاوي

وفي تعليقه على الجدل القائم حول مشاريع الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية ومشروع الهيدروجين الاخضر، أكد الحلاوي “أنّ اللجوء إلى الطاقة الشمسية أمر ضروري، مبيّنا ضرورة ألّا تقتصر مصادر الطاقة فقط على الطاقة الأحفورية الضئيلة التي تنتجها تونس أو على الطاقة المورّدة من الجزائر والتي تكلّف الدولة الكثير وتمسّ من السيادة الوطنية التي تصبح مهدّدة إذا أصبحت رهينة الخارج خاصة في مورد مهمّ مثل الطاقة.”

وأشار محدثنا كذلك إلى “ضرورة الحرص على عقلنة استثمار هذه الطاقة وتطوير تكنولوجيات استغلالها بما يلائم احتياجات المواطن”، محذّرا من “خطورة استنزاف الموارد المائيّة الجوفية عبر الألواح الشمسيّة والذي يظهر عند استعمال هذه الألواح في استخراج الماء بطرق عشوائية وغير مقنّنة، وهذه المهمّة الرقابية تقع على عاتق الدولة التي يجب أن تتابع بكثافة هذه التجاوزات. “

إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس له إيجابيات وله سلبيات حيث أنّ استخراجه يساعدنا على ضمان تخزين الطاقة لكنّ ذلك سيؤثر على مياه البحر والثروة البحرية من خلال ما ينتج عن ذلك من رواسب تصبّ في مياه البحر.

زهير حلاوي خبير في التغيرات المناخية

نشرت مجلّة “NATURE” مؤخّرا دراسة توصّلت إلى أنّ المناطق الريفية المجاورة للمدن قادرة على احتواء ارتفاع درجات الحرارة والتخفيض فيها بـ 0.5 درجة وكذلك تحدّ من ظاهرة الجزر الحرارية التي تسبّب ارتفاع الحرارة داخل المدن.

وتكشف توصيات الدراسة أنّ إحداث حلقات عازلة من الأراضي الفلاحية والمناطق الخضراء والغابات الخضرية من شأنه أن يحدّ من الارتفاع التدريجي لدرجات الحرارة. وقد طبّقت عديد المدن سياسة إنشاء الأحزمة الخضراء على غرار مدينة برشلونة (إسبانيا) التي أحدثت 74 كم من المسالك الخضراء حول الحزام الحضري للمدينة بهدف الحدّ من ارتفاع درجات الحرارة.

وتهدف الرؤية الاستشرافية الاستراتيجية التي وضعتها وزارة الطاقة إلى ضمان تزويد جميع الجهات بالمواد البترولية والكهرباء والغاز لتحسين نوعية الحياة ودفع الاقتصاد الوطني من خلال تحقيق الأمن الطاقي عبر تنمية الموارد الطاقية الوطنية والعمل على تنويع المزيج الطاقي وتطوير المنظومة والبنية الأساسية للإنتاج والنقل والخزن والتوزيع، ودعم الإنصاف الطاقي والحوكمة من خلال ضمان تزويد منصف للطاقة لكافّة الجهات وفي أحسن الظروف وتدعيم السياسة المجتمعية والحرص على حوكمة أنجع للقطاع عبر المزيد من الشفافية، فضلا عن تجديد المخزون الوطني من المحروقات وذلك عن طريق التشجيع على الاستكشاف والبحث واستغلال المحروقات، والتشجيع على الاستكشاف في المناطق التي لم يتم القيام فيها بأشغال الاستكشاف، وتحسين قدرة الاستخراج وذلك بتشجيع المؤسسات العاملة في القطاع على مزيد الاستثمار واعتماد التكنولوجيات الحديثة لتحسين نسب الإستخراج.

في المقابل، قال مستشار الطاقة لدى البنك الدولي والمدير العام السابق لوكالة التحكم في الطاقة عز الدين خلف الله في تصريح لجريدة الصباح التونسية خلال ندوة صحفية حول الطاقات المتجددة في أفريل/ نيسان 2024، إنّ البيروقراطية تتسبّب في عزوف شركات الاستكشاف الكبرى عن القدوم إلى تونس في حين خيّرت بعض الشركات النفطية مغادرة البلاد بسبب طول إجراءات إسناد رخص الاستكشاف والتنقيب عن النفط.

فمنذ اعتماد الفصل 13 من دستور 2014 الذي يوصي بضرورة مصادقة البرلمان على رخص البحث أو التجديد، تمّ تسجيل بطئ كبير في إجراءات منح أو تمديد تراخيص البحث، تزامنت مع غياب سياسة إصلاحية في مجال النفط وغياب الرؤية الاستراتيجية لتعزيز الاستكشاف وعدم تحسين القوانين وخاصّة تلك المتعلّقة بجلب المستثمرين الأجانب للقيام بعمليات الاستكشاف. ومن الضروري العمل على تفادي ذلك في أسرع الآجال خصوصا أن الموارد النفطية والغازية التونسية في تراجع، بحسب التصريح ذاته.

أدّت زيادة الطّلب على الطاقة وانخفاض الإنتاج الوطني من النفط والغاز في تونس إلى ارتفاع الاعتماد على واردات الطاقات من 5% من الاستهلاك سنة 2010 إلى 50% في 2021، ممّا يعني زيادة التوجّه نحو الاعتماد على واردات الغاز الطبيعي من الجزائر المجاورة، وفق ما جاء في نشرية للبنك الدولي تناولت موضوع قطاع الطاقة في تونس.

علاوة على ذلك، ارتفع سعر واردات الغاز الطبيعي بشكل كبير منذ 2021، واضطرّت الشركة التونسية للكهرباء والغاز للاستثمار في شبكات التوليد والنقل والتوزيع نظرًا للطلب المتزايد على الكهرباء. ونتيجة لذلك، تدهورت الصحة المالية للشركة التونسية للكهرباء والغاز في ظل غياب تعريفات تعكس التكلفة ونقص الدعم.

تبيّن الدراسة نفسها أنّ الستاغ يجب أن تتعهّد بتسديد كلفة ما ينتجه المستثمرون وذلك بهدف تشجيعهم على الاستثمار في الطاقات البديلة.

ومن الضروري أيضا أن تتحسّن الوضعية الماليّة للشركة التونسية للكهرباء والغاز. كما يتعيّن إيجاد حلّ جذري للقضايا الأكثر إلحاحا صلب الشركة، مثل الانضباط في دفع الفواتير وحالات التحيّل، وإيجاد التوازن الصحيح بين متطلّبات الإيرادات والتعريفات والدعم.

وقد قامت تونس بإحداث صندوق الإنتقال الطاقي في إطار القانون عدد 54 لسنة 2014 والمؤرخ في 19 أوت/ آب 2014 والمتعلّق بقانون المالية التكميلي لسنة 2014 وذلك لتحقيق نقلة على مستوى عمليّات التحكّم في الطاقة والتشجيع على إنجاز مشاريع من قبل الخواصّ في مجال التحكّم في الطاقة، وذلك عبر إسناد قروض و منح لإنجاز استثمارات غير مادّية واستثمارات مادّية بعنوان عمليّات التحكّم في الطاقة.

كما يساهم الصندوق في رأس مال إحداث مؤسسات وإسناد اعتماد مالي يقع استرجاعه قصد تكملة الأموال الذاتية. وتبلغ هذه المساهمات 24% من كلفة الاستثمار التي يجب ألّا تتجاوز 4 مليون دينار.

إضافة إلى تمويل المشاريع والبرامج الوطنية التي تنجزها الدولة في إطار السياسة الوطنية للتحكم في الطاقة. وقد قدّرت موارد ونفقات الصندوق بعنوان سنة 2022 بـ 40 مليون دينار.

يقول الخبير فى الجيولوجيا والطاقة غازي بن جميع: “أنا كمواطن تونسي أستعمل الطاقة الشمسية منذ سنة 2010 أحقق إكتفائي الذاتي ولا تعترضني أيّة مشاكل على مستوى الاستهلاك أو الفاتورة”.

ويبيّن أنّ تونس وضعت مخطّطا للاستثمار في الطاقة الشمسية وأنجزت صندوق الانتقال الطاقي لدعم مشاريع التحكّم في الطاقة لكن في الآن ذاته عقّدت من مسار الإجراءات التي يقوم بها المواطن من أجل التمتّع بمشروع الألواح الشمسية.

ويضيف قائلا: “الخطأ الذي ترتكبه الحكومة التونسية في علاقة بالطاقة الشمسية أنها تركّز المشاريع الكبرى لإنتاج الكهرباء من هذه الطاقة بعيدا عن مناطق العمران والاستهلاك. وعند القيام بنقل ما تنتجه من أجل تعزيز مخزون الشركة التونسية للكهرباء والغاز تخسر منه حوالي 18 % من الإنتاج وهذا يكلّفها الكثير”.

ويعتبر بن جميع أن مخطّط الدولة في الاعتماد على الطاقة الشمسية فيه لبس وتضارب كبير، فمن جهة تشجّع الحكومة المواطن على الانتقال للطاقة الشمسية ومن جهة أخرى تثقل كاهله بالأداءات والسّعر المرتفع للألواح الشمسية الذي يتجاوز حتى الأسعار في السوق العالمية.

في تعليقه على مشاريع واتفاقيات الهيدروجين الأخضر، يوضّح الخبير فى الجيولوجيا أنّ “إيجابيات هذا المشروع تتمثّل في كونه مصدرا لتخزين الطاقة من أجل أوقات الذروة والفترات التي يزيد فيها الطلب على الطاقة، لكنّ الآثار البيئية تمثّل إحدى سلبيّات هذا المشروع، إذ من الضروري تحلية مياه البحر قبل استخراج الهيدروجين الأخضر وكأيّ محطّات تحلية هناك تأثيرات خطيرة على المحيط، وأبرز مثال تلك الرواسب التي يتم إلقاؤها في مياه البحر وتشكّل خطرا كبيرا على المنظومة الإيكولوجية”.

وفي نفس السياق، يقول بن جميع إنّ “هذه ليست المرّة الأولى التي تضع فيها وزارة الطاقة مخطّطا لتجاوز العجز الطاقي، ففي سنة 2000 كان أحد أهداف الوزارة أن تمثّل الطاقات البديلة 30% من مصدر الطاقة. وتكّرر السيناريو ذاته في 2010 و2023 دون تحقيق أيّ نتائج ملموسة. وقد أجمع أغلب خبراء تونس في هذا المجال أنّه من المستحيل أن يقع تحقيق هذا الهدف إذا واصلت الحكومة التونسية اتباع نفس النسق في تنفيذ كلّ استراتيجية تضعها”.

تجدر الاشارة إلى أنّه على الرّغم من توجّه موقع الكتيبة بمطالب نفاذ إلى المعلومة إلى وزارة الطاقة والشركة التونسية للكهرباء والغاز، وفق ما يكفله القانون والدّستور، وذلك للحصول على آخر الأرقام والمعطيات المتعلّقة بقطاع الطاقة وسياسة هذه الهياكل لتجاوز أزمة العجز الطاقي فإنّ الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة هي الجهة الوحيدة التي قامت بالرّد. ورغم محاولاتنا الحثيثة، ومراسلة نفس الهياكل المعنية بقطاع الطاقة، لم يتمكنّ موقع الكتيبة من إجراء لقاء صحفي مع أي مسؤول أو ممثّل عن هذه الجهات الرسميّة.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا المقال التفسيري المعزّز بالبيانات في إطار سلسلة مضامين يشتغل عليها موقع الكتيبة في علاقة بتأثيرات التغيّرات المناخية على الميزان الطاقي في تونس، والحلول الممكنة لمجابهة التّحديات المطروحة في أفق السنوات القادمة.

كلمة الكتيبة:
يندرج هذا المقال التفسيري المعزّز بالبيانات في إطار سلسلة مضامين يشتغل عليها موقع الكتيبة في علاقة بتأثيرات التغيّرات المناخية على الميزان الطاقي في تونس، والحلول الممكنة لمجابهة التّحديات المطروحة في أفق السنوات القادمة.

الكاتب : سماح غرسلي

صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستار صحافة استقصائية بجامعة منوبة

اشراف: محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
تصوير: محمد علي منصالي
مونتاج: سامي الشويخ
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
تصوير: محمد علي منصالي
مونتاج: سامي الشويخ
تطوير تقني: بلال الشارني
اشراف : محمد اليوسفي
تدقيق: وليد الماجري
غرافيك : منال بن رجب

الكاتب : سماح غرسلي

صحفية ومقدمة برامج اذاعية, طالبة ماجستار صحافة استقصائية بجامعة منوبة

sameh