الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

على امتداد العشرية الأخيرة (2013ـ2023)، لم يعد أرخبيل مالطا الواقعة في قلب البحر الأبيض المتوسط مجرّد قبلة للسيّاح الباحثين عن الاستمتاع بجمال وصخب مدينة سان جوليان الساحليّة أين تتمركز أفخم النزل والمطاعم السياحيّة ومحلاّت المجوهرات وأبرز الملاهي الليلية ونوادي الرقص الإغرائي في حيّ باسفيل، بل إنّ مالطا أضحت أيضا، منذ سنوات، وجهة رئيسيّة في العالم للمتهرّبين ضريبّيا والباحثين عن غسل أموال ملوثّة وإخفاء ثرواتهم تحت حجاب من السرّية هربا من مصالح الضرائب والقضاة وذلك عبر آلية الشركات غير المقيمة (أوفشور) والاستثمارات العقاريّة.

على مرّ هذه السنوات ، نجحت مالطا عبر تفعيل برنامج “جواز السفر الذهبي” المثير للجدل داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، في استقطاب أثرياء من مختلف أصقاع العالم وخاصة من الدول النامية التي ترتفع فيها مؤشرات الفساد والتهرّب الجبائي.

في هذا التحقيق يكشف موقع الكتيبة خبايا وأسرار “أوراق مالطا” المتعلّقة بشخصيات تونسيّة استفادت من برنامج منح الجنسيّة في الأرخبيل المتوسطي الذي يتطلّب دفع ما لا يقلّ عن 1.15 مليون يورو أي زهاء 4 مليون دينار تونسي عن كلّ ملف عائلي من أجل الحصول على المواطنة الأوروبيّة وبالتالي استغلال امتيازات تمنحها دولة مالطا لهؤلاء الأثرياء.

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

على امتداد العشرية الأخيرة (2013ـ2023)، لم يعد أرخبيل مالطا الواقعة في قلب البحر الأبيض المتوسط مجرّد قبلة للسيّاح الباحثين عن الاستمتاع بجمال وصخب مدينة سان جوليان الساحليّة أين تتمركز أفخم النزل والمطاعم السياحيّة ومحلاّت المجوهرات وأبرز الملاهي الليلية ونوادي الرقص الإغرائي في حيّ باسفيل، بل إنّ مالطا أضحت أيضا، منذ سنوات، وجهة رئيسيّة في العالم للمتهرّبين ضريبّيا والباحثين عن غسل أموال ملوثّة وإخفاء ثرواتهم تحت حجاب من السرّية هربا من مصالح الضرائب والقضاة وذلك عبر آلية الشركات غير المقيمة (أوفشور) والاستثمارات العقاريّة.

على مرّ هذه السنوات ، نجحت مالطا عبر تفعيل برنامج “جواز السفر الذهبي” المثير للجدل داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، في استقطاب أثرياء من مختلف أصقاع العالم وخاصة من الدول النامية التي ترتفع فيها مؤشرات الفساد والتهرّب الجبائي.

في هذا التحقيق يكشف موقع الكتيبة خبايا وأسرار “أوراق مالطا” المتعلّقة بشخصيات تونسيّة استفادت من برنامج منح الجنسيّة في الأرخبيل المتوسطي الذي يتطلّب دفع ما لا يقلّ عن 1.15 مليون يورو أي زهاء 4 مليون دينار تونسي عن كلّ ملف عائلي من أجل الحصول على المواطنة الأوروبيّة وبالتالي استغلال امتيازات تمنحها دولة مالطا لهؤلاء الأثرياء.

من بين 16632 شخصيّة من الخليج العربي والقارة الإفريقيّة -بما في ذلك تونس- وروسيا وآسيا وأمريكا الجنوبيّة وغيرها، تحصّلت على الجنسيّة المالطية تحت غطاء الاستثمار بين 2014 و2019، نعثر في كومة آلاف الوثائق والمستندات الأرشيفية التي تحصلّ عليها موقع الكتيبة وقد تسنّى له التحرّي من المعطيات التي تضمنتها، على بيانات تهمّ رجل الأعمال التونسي رشاد الحرشاني وعائلته المتكونة من زوجته نائلة البصيري وابنيه فارس (32 سنة) وياسمين (18 سنة).

فماذا نعرف عن قصّة هذه العائلة في أرخبيل مالطا؟ وهل يسمح القانون التونسي بما قامت به؟ وهل ستقف رحلة هذه العائلة التي ورد اسمها سابقا في وثائق باندورا المتعلقة بالجنّات الضريبيّة عند محطّة مالطا أم أنّه سيتمّ استغلال الجنسيّة المالطيّة في أعمال أخرى متعلّقة بشراء عقارات في الخارج أو بعث شركات وحسابات بنكيّة بشكل مخالف للقوانين التونسية؟

“نحن متحمسون لمناداة مالطا موطننا”

تعتبر مالطا من الوجهات السياحية الجذّابة التي يقصدها البعض من التونسيين الراغبين في الترفيه والتسوّق والاستمتاع بالأماكن الرائعة. يبعد هذا الأرخبيل الجار والقريب جغرافيا من الجمهورية التونسية حوالي 544 كلم أي ما يقدّر زمنيا بحوالي 50 دقيقة بالطائرة.

بالنسبة الى السيّاح العاديين المتحصلين على تأشيرة شنغن لا يتجاوز في العادة سعر التذكرة 500 دينار تونسي. بيد أنّ تذكرة عبور عائلة رشاد الحرشاني نحو المواطنة المالطيّة بلغت كلفتها ما لا يقلّ عن 4 مليون دينار تونسي دون الأخذ بعين الاعتبار المبالغ التي قد تكون دفعت في شكل عمولات و نظير الخدمات.

في سنة 2013، أطلقت الحكومة العمّالية المالطية بزعامة رئيس الوزراء جوزيف موسكات -رغم معارضة الاتحاد الأوروبي- “برنامج مالطا للمستثمر الفردي” الذي قُدّم ظاهريا على أنّ الهدف منه جلب الاستثمارات لهذا البلد الذي تضرّر كثيرا من سقوط نظام العقيد معمّر القذافي في ليبيا، لكنّه في الحقيقة كان ينطوي على رغبة جامحة في جلب الأثرياء إلى الأرخبيل المتوسطي في إطار بيع المواطَنة.

في السياق المشار إليه أعلاه، انطلقت رحلة رجل الأعمال التونسي رشاد الحرشاني صاحب إحدى أكبر المجموعات الاقتصادية في البلاد التونسيّة.

تكشف الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة، أنّ مسار الحصول على المواطنة المالطية بالنسبة الى عائلة الحرشاني بدأ في أواخر سنة 2016 انطلاقا من تونس حيث تطلّب الأمر استخراج وترجمة العديد من الوثائق الرسميّة المتعلّقة ببيانات شخصيّة تهمّ هوّية الراغبين في الانخراط في برنامج “جواز السفر الذهبي”.

بتاريخ 31 جانفي/ كانون الثاني 2017، قام رشاد الحرشاني بتوجيه رسالة إلى الهيئة الحكومية المشرفة على هذا البرنامج المسماة “Identity Malta “، معربا فيها عن رغبته في الحصول على المواطنة المالطيّة حيث شرح أسباب ذلك.

كنت ناجحا في مسيرتي المهنيّة. أسّست مجموعة الحرشاني في 1983 وهي اليوم احدى أكبر المجموعات في تونس التي تحققّ نموا قويّا ومستمرا. نحن قادة السوق في الصناعات الغذائية وخلال السنوات الـ 25 الأخيرة توسعنا تقريبا في كلّ المجالات مثل البنوك والسياحة والصناعة والبعث العقاري والتجارة الخ.

رشاد الحرشاني في رسالته إلى السلطات المالطية

أعلن رشاد الحرشاني في رسالته المذكورة آنفا نيته قضاء مدّة 14 يوما على الأقل في مالطا من أجل التعرّف على البلاد، مؤكّدا أنّه قام باستئجار منزل طيلة سنة فضلا عن إمكانية أن يقوم بشراء عقّار في الأرخبيل وذلك بعد مزيد تعميق معرفته بمالطا وثقافتها، وفق نفس الوثيقة.

يضيف الحرشاني في نفس الرسالة أنّه يعتزم فتح حساب بنكي في مصرف محلّي في مالطا مع التبرّع لمنظمة خيرية وهي “Malta Community Chest Fund”، قائلا في خاتمة متن الرسالة:

ننتظر من الحكومة المالطية أن تتفاعل ايجابيا مع مطلبنا في الحصول على الإقامة والمواطنة رفقة عائلتي باعتبار أنّنا متحمسون لكي ننادي مالطا موطننا.

تفيد الوثائق التي تسنّى لموقع الكتيبة الحصول عليها بأنّ الحرشاني أوْكل لشركة “هنلي استيت” مسألة استئجار المنزل في بداية الرحلة، وقد قام بعد ذلك في شهر مارس/ آذار 2017 بدفع مبلغ أوّلي قيمته 59 ألف يورو أي حوالي 200 ألف دينار بعنوان الرسوم المهنية لتقديم الإقامة وتسليم الوثائق الرسميّة لجميع أفراد العائلة.

على هذا الأساس، نظّمت شركة “هنلي آند برتنرز” زيارة عائلة الحرشاني إلى مالطا خلال شهر مارس/آذار 2017 وذلك على امتداد 3 أيّام حيث تمّ خلالها عقد مجموعة من الأنشطة والاجتماعات بهدف إنهاء الوثائق المطلوبة في مرحلة أولى للحصول على الإقامة ثمّ الجنسيّة في مرحلة ثانية.

من الملاحظ أنّه وبالنظر إلى التسهيلات التي تقدمها مثل هذه الشركات لقاء العمولات فقد تمكّنت عائلة الحرشاني من الحصول على رخصة الإقامة المؤقتة في مالطا “PERMESS TA REDISENZA” قبل نهاية شهر مارس/ آذار 2017.

من خلال الوثائق المشار إليها سابقا، يبرز أيضا اسم مكتب المحاماة المالطي “JSF Legal” الذي يقدّم نفسه في موقعه الرسمي على الأنترنت على أنّه شركة استشارات قانونيّة حيث تحصّل هذا الأخير على عمولة قيمتها 13 ألف يورو أي ما يناهز 45 ألف دينار تونسي مقدّمة من رشاد الحرشاني لفائدته، بحسب إحدى الفواتير.

يبدو من الواضح أنّ العامل المادي لعب دورا بارزا في سرعة حصول عائلة الحرشاني على الجنسيّة المالطية حيث تبيّن الوثائق الرسميّة التي تحصّل عليها موقع الكتيبة أنّ ذلك تمّ في سنة 2018 أي في غضون سنة ونيف منذ انطلاق الإجراءات الرسميّة التي لم تكن مضنية.

منذ انطلاق الحكومة المالطية في سنة 2014 في عرض برنامج “جواز السفر الذهبي” على من وصفتهم بالمستثمرين الأجانب، أثار هذا المشروع جدلا واسعا في الاتحاد الأوروبي الذي حذّر من مخاطر محتملة كاستقطاب عائدات الأنشطة الإجرامية وثروات المتهرّبين ضريبيا والباحثين عن غسل الأموال الملوثة.

وقد اشترطت السلطات المالطية على المتقدّمين للانتفاع بالامتيازات التي يقدمها البرنامج دفع مبلغ يقدّر بـ 650 ألف يورو لصندوق التنمية ودفع مبلغ قيمته 150 ألف يورو كأسهم في البورصة المالطيّة وشراء عقّار بقيمة 350 ألف يورو على الأقل.

وكان الاتحاد الأوروبي قد صوّت منذ جانفي/كانون الثاني 2014 على قرار يقضي برفض بيع حقّ المواطَنة الأوروبيّة، معتبرا أنّ برنامج “المواطنة مقابل الاستثمار” سيسمح فقط للأغنياء بالحصول على المواطنة الأوربيّة حيث لا يأخذ بعين الاعتبار أي معايير أخرى وهو ما يعني ضمنيا شكلا من أشكال التمييز.

وقد عبّر الاتحاد الأوروبي عن اعتقاده بأنّ المواطنيين المالطيين لن يستفيدوا من هذا النظام عبر عائدات ضريبيّة إضافيّة على سبيل المثال لأنّ المستثمرين الأجانب المعنيين لن تفرض عليهم أي ضرائب، مذكّرا في نصّ القرار الآنف ذكره أنّ “المواطنة لا تعني فقط الحقوق بل أيضا الواجبات”.

غير أنّ المتحدث باسم الحكومة المالطية وقتها، كورت فاروجيا، كان له رأي آخر:

الجزء الرئيسي من الثمن، أي 650 ألف يورو، سيتمّ وهبهُ لصندوق التنمية الوطنية والاجتماعية الذي سيسهر على دعم قطاعات الصحّة والتعليم وخلق فرص العمل.

كورت فاروجيا في تصريح إعلامي سنة 2014

لم يشفع هذا التبرير الذي قدمته السلطات المالطية لها للنأي بنفسها عن الدخول في صدام مع الاتحاد الأوروبي الذي باشر إجراءات ضد برنامج “جواز السفر الذهبي”، قائلا إنّ العمليّة “غير قانونية”.

وكانت المفوضيّة الأوروبيّة قد أحالت مالطا إلى أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي، مشدّدة على أنّ برنامج “جواز السفر الذهبي” من شأنه تعزيز الفساد وتسهيل عمليات غسل الأموال.

فضلا عن ذلك، كان البنك المركزي الأوروبي قد أصدر في شهر ديسمبر/كانون الأوّل في سنة 2019 قرارا دعا فيه أكبر بنك في مالطا وهو بنك فاليتا إلى “سدّ الفجوات التي تعكس قصورا شديدا يمكن أن يسمح بغسل الأموال أو أي أنشطة إجراميّة أخرى”.

وأوضح تقرير للبنك المركزي الأوروبي أنّه بموجب برنامج “جواز السفر الذهبي” يتعيّن على الرعايا الأجانب الراغبين في الحصول على الجنسيّة فتح حساب في بنك فاليتا الذي قام بتسجيلهم كمواطنين مالطيين ممّا يعني حجب جانب من حقيقة أمرهم، وفق ما ورد في التقرير.

بعيدا عن هذا الصراع المستعر الدائر بين الاتحاد الأوروبي ومالطا في علاقة ببرنامج “جواز السفر الذهبي”، فإنّه من المهم التساؤل عن مدى قانونية ما قامت به عائلة رشاد الحرشاني الذي بات مواطنا مالطيا منذ سنة 2018 رغم إقامته في تونس التي تعدّ الموطن الرئيسي لمختلف أنشطته الاقتصاديّة، فضلا عن كونها بلد الإقامة الجبائية.

أنشطة تقع تحت طائلة مجلة الصرف وقانون غسل الأموال

قد يتساءل البعض للوهلة الأولى: ما الضير من أن يختار مواطن.ـة تونسي.ـة الحصول على جنسيّة ثانية؟ ألا يعدّ هذا ضمن دائرة الحريات الفرديّة وحرية الضمير والمعتقد. فالمرء كما من حقه أن يغيّر دينه يمكن له تغيير جنسيته وأداء اليمين على دستور بلد آخر يختاره ليكون موطنه؟

في الحقيقة، “لا يتعلّق الأمر في هذه القصّة بالمعتقدات والضمير إذ أنّ القانون التونسي يعالج الموضوع من زاوية الجرائم المالية والجبائية ومخاطر غسل الأموال وتهريبها عبر قنوات غير قانونية”، يجيب خبير ومستشار في التشريعات المالية والجبائيّة -طلب عدم نشر هويته- في تصريح لموقع الكتيبة.

ويؤكد المصدر ذاته أنّه بالنظر إلى إقامة عائلة رشاد الحرشاني -باستثناء ابنه فارس المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية- في تونس فإنّ تحويل أموال بشكل غير قانوني، فضلا عن فتح حساب بنكي والقيام بشراء عقارات وأسهم في الخارج دون التصريح بها لدى البنك المركزي التونسي يضعها إزاء مساءلة قانونية وشبهات إرتكاب جرائم تقع تحت طائلة مجلّة الصرف وقانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، وفق تقديره.

توضح بيانات إدارة الحدود والأجانب بوزارة الداخلية التونسيّة بالإضافة إلى السجلات الجبائية لعائلة الحرشاني (رشاد وزوجته نائلة على وجه الخصوص) أنّ مقر إقامتهم قانونيا وفعليا هو في تونس.

في هذا الإطار، نشير إلى أنّ الوثائق التي تحصلّ عليها موقع الكتيبة بخصوص مسار حصول عائلة الحرشاني على الجنسيّة في مالطا تبرز أنّ عنوان الإقامة الذي كان يتكرّر في كلّ البيانات الشخصية المسجلة هو حي ميتيال فيل في تونس العاصمة بالإضافة إلى رقم هاتف تونسي (اتصالات تونس).

على الرغم من أنّه مازال لم يصرّح بمداخيله المتعلقة بسنة 2022 حيث يسمح له القانون بذلك إلى غاية 5 ديسمبر/ كانون الأوّل من العام الموالي 2023، فإنّ رشاد الحرشاني دأب رفقة زوجته نائلة البصيري طيلة السنوات الماضية على القيام بالتصاريح الجبائية لمداخيله (الضريبة على الدخل) المتأتية من شركاته التي يديرها في تونس دون الإتيان على ذكر المداخيل المتأتية من مكاسب في الخارج في الجنّات الضريبيّة مثل الجزر العذراء ومالطا ودبي.

تنصّ مجلّة الصرف والتجارة الخارجية في تونس في الفصل 16 على أنّ كلّ تونسي مقيم بالبلاد التونسيّة وكلّ شخص معنوي أجنبي بالنسبة الى المؤسّساته الموجودة في البلاد التونسيّة مطالب بالتصريح بجميع مكاسبه في الخارج في أجل مدته 6 أشهر ابتداء من تاريخ الحصول على تلك المكاسب.
من المهم الإشارة إلى أنّ مثل هذه الجرائم يمكن أن تصل فيها العقوبة إلى السجن مدّة 5 سنوات، ناهيك عن العقوبة المالية التي يمكن تسليطها على الطرف المدان وكذلك حجز المكاسب ذات العلاقة بالجريمة.
في هذا السياق، يشدّد الفصل 23 من مجلة الصرف التونسيّة على أنّه يحجّر، ما عدى رخصة للأشخاص المعنيين بالفصل 16 من نفس النصّ التشريعي:

“كلّ اقتناء لأشياء حسّية منقولة أو عقارية موجودة بالخارج لحقوق ملكية بالخارج أو محرّرة بنقد أجنبي سواء كانت متمثلة أم لا برسوم وكلّ عملية ترمي إلى التفويت أو التغيير في مكونات مكاسبهم بالخارج أو إلى التنقيص في حقوقهم على هاته المكاسب، فضلا عن وضع تحت نظام آخر لمبالغ من العملات كانت مرسمة قبل ذلك بحساب مفتوح بالخارج باسم وسيط مقبول يعمل بالبلاد التونسية أو لقيم منقولة كانت مودعة قبل ذلك بالخارج تحت ملف وسيط يعمل بالبلاد التونسية.”

في جانفي / كانون الثاني 2003، دخلت اتفاقية جبائيّة موقّعة بين دولتي تونس ومالطا حيز التطبيق. وتؤكد هذه الاتفاقية البينية في فصلها الرابع أنّه عندما يعتبر الشخص الطبيعي مقيما في كلا البلدين، تتمّ تسوية وضعيته من خلال اعتبار هذا الشخص مقيما في الدولة حيث لديه منزل دائم.

وإذا كان لديه منزل دائم في كلا البلدين فإنّه يعتبر مقيما في الدولة التي تكون فيها أواصره الشخصية والاقتصادية أكثر ارتباطا وهو ما ينسحب على حالة رشاد الحرشاني وعائلته المقيمين في تونس.

للاستيضاح بخصوص هذه المؤاخذات التي تقع تحت طائلة القانون، حاول موقع الكتيبة عبر عديد الوسائل التواصل مع رشاد الحرشاني لكنّ هذا الأخير ارتأى عدم التفاعل والتعليق.
بدورها رفضت زوجته نائلة البصيري تقديم ما يفيد بقانونية المسألة وذلك على الرغم من تعهدها في الاتصال الهاتفي الأول الذي جمعنا بها بعقد مقابلة صحفية للغرض.
لاحقا، امتنعت البصيري عن الرد نهائيا على جميع اتصالاتنا الهاتفية، فضلا عن تجاهل مراسلاتنا الإلكترونية.
.

الرجل الشبح: بيوغرافيا غامضة لصاحب ثروة طائلة

يمتلك رشاد الحرشاني (65 سنة) اليوم في تونس واحدة من أكبر المجموعات الاقتصادية وأكثرها سطوة وتأثيرا خاصة في المجال المالي والبنكي. انطلق في رحتله مع عالم المال والأعمال وتكديس الثروة منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي، وفق السردية المتداولة التي يقدمها رشاد الحرشاني في السيرة الذاتية الرسمية الخاصة بمجمع شركاته.

وقد اشتهر الحرشاني خاصة باستحواذه خلال فترة طويلة على قطاع التنّ المعلّب والتمور وزيت الزيتون. وهو يعدّ من أكبر المصدريّن في هذه المجالات التي تحظى بدعم وتحفيزات كبيرة من الدولة التونسيّة تحت غطاء تنمية الصادرات.

خلال العقد الأخير من فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، عرف عن رشاد الحرشاني قربه من عماد الطرابلسي (صهر الرئيس المخلوع) الذي يقبع في السجن منذ سنة 2011 بسبب قضايا عديدة متعلقة بالفساد والاثراء غير المشروع.
بلغت الوشائج بين الحرشاني والطرابلسي أوجهَا خاصة في علاقة ببعض الأنشطة التجارية في السوق الليبية زمن حكم العقيد معمر القذافي، بحسب مصادر متقاطعة.

ومن المعلوم أنّ الحرشاني برز بشكل خاص في السنوات الأخيرة بعد ثورة 2011 بنفوذه الواسع في القطاع البنكي من خلال امتلاكه لأسهم في 4 بنوك على غرار بنك الاسكان وبنك تونس العربي الدولي، فضلا عن امتلاكه للنصيب الأكبر من رأس مال مؤسّسة تيسير التي تمنح القروض الصغرى وكذلك مساهماته في شركات تأمين وإيجار مالي مثل “ستار للتأمين وإعادة التأمين” و”بنك التجاري” و”التونسيّة” للإيجار المالي.

وتمتلك زوجة الحرشاني نائلة البصيري (58 سنة) وابناه فارس (مقيم في نيويورك) وياسمين (تحصّلت على الجنسية المالطية وهي دون سنّ 18 سنة) مساهمات صغيرة في عدد من الشركات أو الأسهم التي هي على ملك مجموعة الحرشاني الأب.

عرف عن رشاد الحرشاني تكتّمه الشديد حيث لا نبالغ حينما نصفه بـ “الرجل الشبح”. فعلى الرغم من المكانة الاقتصادية والمالية التي يتبوّؤها في البلاد التونسيّة حيث تصنّفه مجلاّت متخصصة ضمن قائمة كبار الأثرياء، فإنّنا لا نعثر على أي صورة متاحة للرجل في محرك “غوغل” أو في أي مجلة أو صحيفة أو قناة تلفزية أو إذاعية. فهو لا يجري حوارات صحفية على شاكلة مختلف نساء ورجال الأعمال الفاعلين.ـات في الحياة الاقتصادية ولا يظهر في الأماكن العامّة إلاّ لماما.

وحتى في وسائط التواصل الاجتماعية المعروفة بما في ذلك المهنية المحترفة مثل “لينكد إين” لا أثر للرجل فيها فهو على ما يبدو لا تستهويه البتّة الأضواءُ.

سبق أن ظهر اسم رشاد الحرشاني في فضائح وثائق باندورا التي كشفت لجوء رجال أعمال ومجموعات مافيوزية وسياسيين وحكّام فاسدين إلى الملاذات الضريبية على غرار الجزر العذراء البريطانية لإنشاء شركات غير مقيمة (أوفشور) وفتح حسابات بنكية لتخزين ثروات سريّة بعضها متأت من أنشطة إجرامية.

عائلة مختار: رحلة خفيّة من الجزر العذراء إلى مالطا

على شاكلة رشاد الحرشاني الذي كشفت وثائق باندورا استفادته من شركة أوفشور موطنّة بشكل سرّي في الجزر العذراء البريطانية منذ تسعينات القرن الماضي، فإنّ عائلة فتحي مختار هي الأخرى تمكّنت من الولوج إلى هذا الملاذ الضريبي منذ أواسط العشرية الأولى من القرن الحالي رغم إقامتها في تونس.

في أواخر سنة 2004، أسّست عائلة مختار شركة غير مقيمة في الجزر العذراء البريطانية تحمل تسمية “لووال أوفرسيز أساتس”.
هذه الشركة سيظهر في وثائقها لاحقا بداية من العام 2005 اسم صدري مختار(الإبن الأصغر، والمدير العام لمجموعة مختار).

كانت سويسرا بمثابة جسر عبور لتأسيس هذه الشركة غير المقيمة وذلك بواسطة شركة ” كاري نوفا اس أ” (مقرها جنيف) التي تقدّم نفسها على أنّ نشاطها يتمثّل في إنشاء والتصرف وإدارة الشركات والمؤسّسات بالإضافة إلى الصناديق الائتمانية والعمليات المالية والتجارية.

استمرّ استغلال عائلة مختار لهذه الشركة طيلة قرابة 6 سنوات حيث سيتمّ إغلاقها في 30 أفريل/نيسان 2011، بحسب الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة. غير أنّ علاقة عائلة مختار بالجزر العذراء لم تقتصر فقط على الشركة المذكورة آنفا، بل إنّه في نفس السنة (2004) التي تمّ فيها إحداث شركة “لوويل أوفرسيز أساتس” ، سيقوم الأب فتحي مختار (78 سنة) بإنشاء شركة غير مقيمة أخرى تحت مسمّى “غولف ستار انترناشيونال آليانس”.
من الملاحظ أنّ نشاط هذه الشركة الثانية سيستمرّ إلى غاية سنة 2016 تاريخ إغلاقها مباشرة بعيد بداية انتشار فضيحة باناما بايبرز.

وتظهر الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة أنّ شركة “كاري نوفا آس أ” كانت هي نفس الوسيط في إحداث الشركة الثانية التي استمرّت في النشاط قرابة 10 سنوات.

يعترف صدري مختار خلال المقابلة التي جمعتنا معه في مكتبه بمنطقة مونبليزير في العاصمة تونس بعملية إحداث هاتين الشركتين اللتين لم يتمّ التصريح بهما في السابق لدى السلطات التونسيّة، مشدّدا على أنّهم لم يقوموا باستعمالهما في أيّ نشاط ولم يجنوا من خلالهما أيّ أرباح مالية.

هذه الشركات المحدثة في الجزر العذراء هي عبارة عن صدفة جوفاء. لا أتذكّر لماذا قمنا بفتحها. كنت صغيرا وقتها وقد كان زوج خالتي (شخص أجنبي) هو صاحب الفكرة. لا أستحضر أسماء هذه الشركات لكن ما أؤكده أنّها أغلقت منذ سنوات.

صدري مختار

من المهم التذكير في هذا الصدد بأنّ مثل هذه الشركات الصورية التي تستعمل في الغالب كوسيلة للتهرّب الضريبي والاحتيال الجبائي والتركيب المالي تتيح لأصحابها القيام بمعاملات مصرفية في كنف السرية، علاوة عن إمكانية حيازة حسابات بنكية أوفشور وودائع ومحفظات استثمار مع إخفاء هوية المالك الحقيقي والمستفيد الأخير في أغلب الحالات، وفق ما كشفته تحقيقات دولية سابقة على غرار “باناما بايبرز” و”أوراق الجنّة” و”وثائق باندورا”.

على عكس الابن صدري، حينما اتصلنا قبله بفتحي مختار الرئيس المدير العام للمجموعة العائلية المذكورة بغرض التساؤل عن قصة هاتين الشركتين ولاسيما حقيقة أنشطتهما التي لم تعمر طويلا فضلا عن علاقته بمالطا، سارع المعني بالأمر بنفي امتلاكه لأي شركات في الخارج قائلا:

ليس لدي شركات لا في مالطا ولا في الجزر العذراء. هذه مسائل تخصني فما دخلكم أنتم؟ هل أنتم “حاكم”؟(يقصد سلطة أمنية أو قضائية). ما تتحدّثون عنه غير موجود.اذا كان لدي إجابة سوف أقدمها للقضاء. ما دخلكم أنتم إذا ما تحصل أبنائي على الجنسية في مالطا أو لم يتحصلوا؟ “

فتحي مختار في رد هاتفي

على نقيض هذا الردّ المقتضب والمتشنّج الذي أنهاه فتحي مختار بقطع الاتصال الهاتفي بشكل أحادي، فإنّ لهذه المجموعة الاقتصادية سجلات وأرشيفات سريّة في أرخبيل مالطا كما هو الحال بالنسبة الى الجزر العذراء البريطانية.

تكشف المعطيات التي تسنّى لموقع الكتيبة الوصول إليها، أنّ حصول عائلة مختار على الجنسيّة المالطية في سنة 2017، كان مرتبطا بإنشاء شركتين أوفشور في مالطا في الآن ذاته بتاريخ 1 مارس/آذار 2016.

تحمل الشركة الأولى اسم “مايا هرماس هولدينغ” وقد أسّست من طرف شركة “كلاريس كابيتال” التي لم تكن سوى غطاء يتدثّر به المالك الحقيقي وهو فتحي مختار.

ويعود تأسيس شركة “كلاريس كابيتال” إلى مكتب المحاماة المسمّى “شتكوتي كوشي” المتخصّص في تقديم الخدمات القانونية وخدمات الهجرة والخدمات الجبائيّة وخدمات ائتمانية للشركات والحرفاء من القطاع الخاص.

تبرز وثائق شركة “مايا هرماس هولدينغ” أنّ المسؤولين المشرفين عليها هما ابْنَا فتحي مختار، قيس وصدري، فضلا عن ذلك فإنّ عناوين القائمين عليها إداريا تحيل الى منزل عائلة مختار بضاحية المرسى في تونس.

أمّا بخصوص الشركة الثانية التي تحمل اسم “قرطاج ميدي تريد” فهي مملوكة لشركة “مايا هرماس” المذكورة آنفا وهي الأخرى تقع تحت إشراف إداري من الأخوين قيس وصدري مختار.

وكانت عائلة مختار قد قامت بتاريخ 18 جانفي/ كان الثاني 2018 بتأسيس شركة ثالثة في الملاذ الضريبي مالطا وهي شركة “قرطاج جرينز هولدينغ” التي يديرها كذلك قيس وصدري مختار والتي سيتضح أنّها على علاقة بشركة أخرى على ملك مجموعة المختار مقرّها الاجتماعي في تونس وتحديدا في المنطقة الصناعية جبل الوسط بمحافظة زغوان وهي “شركة حبوب قرطاج”.

بعد ذلك، تظهر الجريدة الرسمية المالطية الصادرة في 21 ديسمبر/كانون الأوّل 2018 أنّ أفرادا من عائلة مختار تمكّنوا من الحصول على المواطَنة المالطيّة وهم: صدري وجاد و ليندا وقيس وزوجته السابقة عارضة الأزياء مايا التواتي.

يقول صدري مختار إنّ حصوله على الجنسيّة المالطية حصل بشكل طبيعي، موضّحا أنّه تعرّف على بعض الأشخاص في مالطا ساعدوه على ذلك بشكل مجاني، وفق قوله.

ويضيف المتحدّث ذاته :

الحساب البنكي الذي هو على ملكي في مالطا سُئلت عنه في التحقيقات القضائية مع السلطات التونسيّة. كان لدينا أصدقاء في مالطا هم من قاموا ببعث هذه الشركات وقاموا بتسجيلنا كمديرين فيها أنا وأخي قيس دون أن نتقاضى أي أجر منهم. لقد كان لدينا برنامج للاستقرار في الخارج والقيام بأعمال هناك لكن كلّ شيء سقط في الماء بسبب أزمة كوفيد 19.

صدري مختار

وبخصوص الشركة الثالثة، حبوب قرطاج، في مالطا، يوضّح صدري مختار أنّ “هذه الشركة هي فرع للشركة الأمّ في تونس التي تتبع المجموعة وقد تمّ فتحها لمدّة قصيرة لا تتجاوز الشهر قبل غلقها وهي الأخرى لم تنجز أي معاملات”، مردفا بالقول أنّه “كان للعائلة فكرة مشروع أنشئت من أجله هذه الشركة غير أنّه هو الآخر سقط في الماء”، بحسب ما جاء على لسانه.

في سياق متّصل، تؤكّد منسّقة الحملات بمنظمة الشفافية الدولية إيكا روستوماشفيلي وجود مخاطر غسل الأموال في برامج جوازات السفر الذهبية خاصّة وأنّ برنامج المستثمر الفردي الذي اعتمدته مالطا من 2014 إلى 2020 لا يشترط على المتقّدمين بمطالب للحصول على المواطَنة المالطية الإقامة الجسدية في الأرخبيل.

علاوة على ذلك، يزيد الاستثمار السلبي الضخم لمرّة واحدة وعدم اشتراط برنامج المستثمر الفردي على المتقدّمين استخدام أموالهم الخاصّة للاستثمار من مخاطر غسل الأموال، وفق المتحدّثة ذاتها.

قد تكون أسباب الحصول على جواز السفر المالطي مشروعة ولكن قد تكون أيضا طريقة لغسل الأموال أو استراتيجية للمغادرة وفرصة للهروب من السلطات.

إيكا روستوماشفيلي

من جهة أخرى، يقول مصدر مسؤول في سفارة تونس بمالطا -طلب عدم نشر اسمه- إنّ الحصول على الجنسية المالطية خارج برنامج المستثمر الفردي هو أمر صعب وشبه مستحيل حيث يشترط القانون المخصّص للغرض ضرورة شراء عقارات أو امتلاك شركات هناك، فضلا عن فتح حساب بنكي والقيام بتحويلات ماليّة لفائدة الحكومة وهو ما يتطلّب أكثر من مليون يورو كمصاريف.

ويضيف المصدر ذاته:

إنّ القانون المالطي يشترط على المتزوجين بمواطنات مالطيات الانتظار قرابة 5 سنوات من أجل الحصول على الجنسيّة. المواطنة المالطية لا تمنح خارج برنامج جواز السفر الذهبي إلا لمن قدموا خدمات جليلة للبلاد وهذا قلّما يحصل.

مصدر مسؤول في سفارة تونس بمالطا

من المهم الإشارة إلى أنّ زوجة صدري مختار هي حاملة للجنسيّة التونسيّة، كما أنّ طليقة شقيقه النائب السابق قيس مختار ينسحب عليها نفس الشيء.

من سان جوليان إلى باريس: شركات وشقق غير مصّرح بها

على الرغم من إقامته جبائيا في تونس، فإنّ صدري مختار لن يتوانى عن استعمال جنسيته الجديدة المالطية في أعمال أخرى خارج تونس.

في الحقيقة، سيتطلّب الأمر سنتين إضافيتين لكي نكتشف مجدّدا مآلات استعمالات هذه الجنسيّة حيث سيؤسّس صدري مختار في فرنسا شركة جديدة تحت اسم “آل موف” بتاريخ 1 أفريل/نيسان 2020 رفقة التونسي صدقي شياطة لكن هذه المرّة من خلال الإعتماد على المواطَنة المالطية وعنوان شخصي في مدينة سان جوليان المالطيّة.

يمتلك صدري مختار 80 بالمائة من رأس مال هذه الشركة المتخصّصة في التجارة. في حين يستأثر شريكه ومديرها صدقي شياطة (تونسي مقيم في فرنسا) بـ 20 بالمائة فقط، بحسب الوثائق التي تحصّل عليها موقع الكتيبة.

يعترف صدري مختار بـ”امتلاكه الصّوري” لهذه الشركة غير المصرّح بها لدى مصالح الجباية في تونس، موضّحا أنّ صديقه صدقي شياطة هو من قام ببعثها على اعتبار أنّه كانت له مشاكل جبائية في فرنسا وقد استعمله كـ”رجل قشّ” فقط.

من خلال الاطّلاع على سجلّ الشركات في فرنسا، يظهر التونسي صدقي شياطة (41 سنة) كممثل إداري ومساهم في ما لا يقلّ عن 12 شركة.

لم أفهم لماذا لم يقم صدقي بحلّ هذه الشركة؟ أؤكد لكم أنّني لا أستفيد من أيّة عائدات مالية من هذه الشركة. إنّ مالكها الحقيقي هو صديقي صدقي شيّاطة ولست أنا. أعلمكم أنيّ سوف أقوم بمنح حصتّي الصورية فيها له.

صدري مختار

ما يلفت الانتباه أنّ ممتلكات عائلة المختار التّي أضحت تحمل جنسيّة مزدوجة مالطية تونسية لن تقتصر فقط على الأنشطة التجارية والمصرفيّة حيث ستشمل أيضا المجال العقاري، إذ توضّح وثائق ومعطيات رسميّة فرنسيّة تحصّل عليها موقع الكتيبة أنّ الثنائي قيس وصدري قاما ببعث شركة مدنيّة عقّارية تحمل اسم “كايروس للعقارات”، وقد وزّع رأس مال هذه الشركة مناصفة بين الأخوين مختار الذين سيقتنيان عبر نفس الشركة المذكورة شقتين في باريس (الأولى في 2019 والثانية في 2022).

يعترف صدري مختار أنّه فعلا لم يصرّح لدى السلطات المعنيّة التونسيّة بهذه الشركة المدنيّة العقاريّة والتي قال عنها مجددا إنّها مجرد صدفة جوفاء، معلنا أنّه انطلق في إجراءات حلّها، ونافيا امتلاكه لأيّ شقق أو أملاك عقّارية في الدائرة السابعة الباريسيّة.

تكشف الوثائق التي تسنّى لموقع الكتيبة الحصول عليها أنّ الشركة المدنيّة العقاريّة التي هي على ملك العائلة المشار إليها آنفا في عاصمة الأنوار بلغ رأسمالها 2.4 مليون يورو (حوالي 8 مليون دينار تونسي) عند تأسيسها.

في سنة 2022 تمّ التقليص في رأسمال الشركة المذكورة أعلاه إلى 2.4 ألف يورو (حوالي 8 آلاف دينار تونسي) مع تعيين شخص يدعى تيري كاربو وكيلا للمؤسّسة (عنوانه الشخصي في برج خليفة في إمارة دبي بالإمارات العربية المتحدة) وذلك في سنة 2023 بعد استقالة الأخوين قيس وصدري مختار من خطّة وكيل المؤسّسة التي مازالت على ملكهما ولم يقع حلّها بعدُ على عكس رواية المعني بالأمر آنفا.

تستأثر عائلة مختار منذ تسعينات القرن الماضي بقطاعات اقتصادية هامة مثل الصوجا والحديد والمعادن وذلك بشكل خاص من خلال شركتي سيدنور وحبوب قرطاج.

وقد تمكنت مجموعة مختار في سنة 2017 من اقتناء أكثر من 6 بالمائة من الأسهم في بنك الزيتونة للصيرفة الإسلامية. وهي تعدّ من المجموعات المستثمرة في قطاع البعث العقاري في تونس من خلال عديد المشاريع الضخمة، بالإضافة إلى مساهمتها في رأس مال شركة حنبعل للإيجار المالي.

لعائلة مختار حضور سياسي أيضا في تونس، حيث تمكّن قيس المختار (الابن الأكبر) من الظفر بعضوية المجلس الوطني التأسيسي (أوّل برلمان بعد الثورة) عن الحزب الديمقراطي التقدمي بين 2011 و2014.

في 28 أوت/أغسطس 2021، كان رئيس الجمهورية التونسيّة قيس سعيّد قد قام بمداهمة مصنع الحديد التابع لعائلة مختار في بئر المشارقة بزغوان رفقة قوات من الحرس الوطني والأمن الرئاسي، معلنا حجزَ كميات كبيرة من مادة الحديد بدعوى أنّ المحجوز كان موجّها للاحتكار والمضاربة غير المشروعة، متوعدا بشنّ حرب ضد من أسماهم “المحتكرين الذين يتلاعبون بقوت الشعب التونسي”، وفق توصيفه.

هذه القضيّة التي هزّت الرأي العام التونسي آنذاك كانت بوّابة نفَذ من خلالها القضاء التونسي وكل الاجهزة المتعاونة معه الى السجلّات المالية وشركات العائلة بحثا عن شبهات تلاعب أو تهرّب ضريبي أو إثراء غير مشروع. ولئن تمّ الاستماع الى عدد من أفراد عائلة مختار في أكثر من مناسبة أمام الجهات القضائية فانّ الملف مازال لم يُحسم بعدُ.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا التحقيق الاستقصائي ضمن سلسلة تحقيقات دوليّة يعكف على إنجازها موقع الكتيبة بالشراكة مع مشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظمة العابرة للحدود OCCRP . تسعى هذه التحقيقات إلى تقفّي الأموال المهرّبة والمشبوهة وتفكيك الهندسة المالية التي يتمّ الاستناد إليها من أجل طمس آثار الجرائم المالية.

كلمة الكتيبة:

يندرج هذا التحقيق الاستقصائي ضمن سلسلة تحقيقات دوليّة يعكف على إنجازها موقع الكتيبة بالشراكة مع مشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظمة العابرة للحدود OCCRP . تسعى هذه التحقيقات إلى تقفّي الأموال المهرّبة والمشبوهة وتفكيك الهندسة المالية التي يتمّ الاستناد إليها من أجل طمس آثار الجرائم المالية.

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

تدقيق: وليد الماجري
بحث: وائل الونيفي
مونتاج: محمد علي منصالي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني : بلال الشارني
مونتاج: محمد علي منصالي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني: بلال الشارني
تدقيق : وليد الماجري
بحث : وائل الونيفي

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

الكاتبة : رحمة الباهي

صحفية وباحثة. مسؤولة قسم التحقيقات الدولية بموقع الكتيبة

cropped-med00-1.png
rahma