الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

“أشعر أنّني أصبحت أعيش في سجن مفتوح. منذ مطلع الخريف وأنا محروم من حقّي الدستوري في التنقل والسفر. لم يُتّخذ ضدّي أيّ قرار تحجير سفر أو حكم قضائي ولكن رغم ذلك قاموا بمنعي من المرور في المطار بتعلّة الاستشارة الأمنيّة التي تعرف بالإجراء الحدودي S17. لقد خسرت الكثير جرّاء هذا القرار الذي لا أعلم مصدره حيث تدهور وضعي المادي وتعطلّت مصالحي المهنية بحكم أنّي أعمل خبيرا مع عديد المؤسّسات الدوليّة وحتّى الخاصّة”.

بعبارات تكتنفها الحيرة والألم، تحدّث “منير” (اسم مستعار لشخصيّة معروفة طلبت عدم نشر هويتها) وهو خبير دولي، في المجال الاقتصادي عن التراجيديا التي بات يعيش على وقعها منذ أشهر حيث مُنع من السفر خارج تونس دون قرار قضائي.

يؤكد المتحدّث ذاته أنّه كان قد قام بعديد المحاولات مع السلطات القضائيّة والأمنيّة من أجل حلحلة الإشكال عن طريق محاميه في إطار القانون والدستور، غير أنّ هذه المساعي باءت بالفشل وفق قوله.

يضيف منير متسائلا: “أنا لست من بين رجال الأعمال المعنيين بالصّلح الجزائي ولست معارضا سياسيا من الذين لهم خلافات مع السلطة ..أنا خبير مستقلّ وليس لي أي نزاع مالي مع الدولة، فلماذا أمنع من السفر؟”

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

“أشعر أنّني أصبحت أعيش في سجن مفتوح. منذ مطلع الخريف وأنا محروم من حقّي الدستوري في التنقل والسفر. لم يُتّخذ ضدّي أيّ قرار تحجير سفر أو حكم قضائي ولكن رغم ذلك قاموا بمنعي من المرور في المطار بتعلّة الاستشارة الأمنيّة التي تعرف بالإجراء الحدودي S17. لقد خسرت الكثير جرّاء هذا القرار الذي لا أعلم مصدره حيث تدهور وضعي المادي وتعطلّت مصالحي المهنية بحكم أنّي أعمل خبيرا مع عديد المؤسّسات الدوليّة وحتّى الخاصّة”.

بعبارات تكتنفها الحيرة والألم، تحدّث “منير” (اسم مستعار لشخصيّة معروفة طلبت عدم نشر هويتها) وهو خبير دولي، في المجال الاقتصادي عن التراجيديا التي بات يعيش على وقعها منذ أشهر حيث مُنع من السفر خارج تونس دون قرار قضائي.

يؤكد المتحدّث ذاته أنّه كان قد قام بعديد المحاولات مع السلطات القضائيّة والأمنيّة من أجل حلحلة الإشكال عن طريق محاميه في إطار القانون والدستور، غير أنّ هذه المساعي باءت بالفشل وفق قوله.

يضيف منير متسائلا: “أنا لست من بين رجال الأعمال المعنيين بالصّلح الجزائي ولست معارضا سياسيا من الذين لهم خلافات مع السلطة ..أنا خبير مستقلّ وليس لي أي نزاع مالي مع الدولة، فلماذا أمنع من السفر؟”

في الواقع، لا تجيب وزارة الداخلية التونسيّة عن مثل هذه التساؤلات رغم المطالب المتكرّرة الموجهة إليها في إطار قانون النفاذ إلى المعلومة من أجل الاستيضاح حول أسباب منع مواطنين من السفر دون قرارات قضائيّة لاسيما وأنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد كان في وقت سابق، وفق بلاغ صادر عن الرئاسة بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول 2021، قد أسدى تعليماته بأن “لا يتمّ منع أي شخص من السفر إلا إذا كان موضوع بطاقة جلب أو إيداع بالسجن أو تفتيش”، مؤكدا على “أن يتمّ ذلك في كنف احترام القانون والحفاظ على كرامة الجميع ومراعاة التزامات المسافرين بالخارج”. تعليمات ظلّت -وفق توصيف عدد من النشطاء- مجرّد تصريحات للاستهلاك الشعبي دون أن يكون لها أيّ تأثير على ممارسات الادارة في هذا الشأن.

شهدت تونس خلال سنة 2023، بحسب معطيات وثّقها موقع الكتيبة، تعرّض العديد من الشخصيات ذائعة الصّيت خاصة في مجال ريادة الأعمال إلى المنع من السفر دون قرار قضائي في سياق ما يعتبره أنصار الرئيس سعيّد “حملة مكافحة الفساد وتفعيل المحاسبة ” ضدّ الذين تورطوا في قضايا مالية والذين استفادوا سياسيا من حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ومن العشريّة الماضية قبل منعطف ما يعتبرونه “تصحيحا للمسار” بعد 25 جويلية/ تمّوز 2021.

وتفيد مصادر متقاطعة أنّ عدد الممنوعين من السفر في تونس اليوم تجاوز 25 ألف حالة (من بينهم من منعوا بقرارات قضائيّة)، دون اعتبار الذين غادروا البلاد واختاروا “المنفى الاختياري” في الخارج (بعضهم تتعلّق به ملفات محلّ أنظار القضاء). هذا الرقم رفضت وزارة الداخلية التونسيّة التعليق عليه خلال المراسلة الآنف ذكرها.

من جانبها، تلتزم المنظمات الوطنيّة ذات العلاقة بأرباب العمل مثل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية و كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسيّة والمعهد العربي لرؤساء المؤسسات الصمت، على الرغم من حالة الغليان التي تشهدها البلاد لاسيما في علاقة بحملة الايقافات والمحاكمات التي طالت رجال أعمال بارزين بشكل قد يكون “عشوائيّا”.

في المقابل، اكتفى عميد المحامين حاتم المزيو بالقول إنّ هيئة المحامين تدعو إلى احترام حقوق المواطنين وتمكين الجميع من جوازات السفر والتنقل خارج البلاد في صورة عدم وجود أي منع قضائي، وذلك عقب لقائه وزيرَ الداخلية كمال الفقي في 27 ديسمبر/ كانون الأوّل 2023.

يفسّر البعض من أعضاء هذه المنظمات التي تسنّى لموقع الكتيبة التواصل معهم هذا الصمت بحالة الخوف التي تسود في البلاد واختناق مساحات التعبير، فضلا عن الكلفة الباهظة لأيّ موقف قد يُتّخذ ضدّ السلطة السياسيّة الحاكمة في تونس اليوم، وفق تقديرهم.

من السجن الصغير إلى سجن كبير بأبواب مفتوحة

في 13 جويليّة/ تمّوز 2023 غادرت الناشطة الحقوقيّة والقيادية بجبهة الخلاص الوطني المعارضة، شيماء عيسى سجن النساء بمنوبة بعد زهاء 5 أشهر قضّتها خلف القضبان في القضيّة الشهيرة المعروفة بـ “التآمر على أمن الدولة” والتي تصفها منظمات حقوقيّة بأنّها “قضيّة سياسيّة بامتياز” على اعتبار أنّ المتهمين فيها منذ قرابة السنة هم من المعارضين السياسيين وأغلبهم قيادات في أحزاب سياسيّة معارضة من بينهم مسؤولون تقلدوا مناصب هامّة في الدولة خلال السنوات الماضيّة التي تلت ثورة 2011.

استقبلت في ذلك المساء، المعارضة شيماء عيسى -وهي باحثة جامعيّة وناشطة في الحقل المدني- بالزغاريد وبموكب بهيج ضمّ أفرادا من عائلتها ونشطاء سياسيين وحقوقيين.
بيد أنّ فرحتها بمغادرة السجن لم تدم طويلا حيث تمّ إعلامها بعد يومين بأنّها بناء على قرار قضائي ممنوعةٌ من الظهور في الأماكن العامّة والإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام ما يعني ضمنيا أنّها في وضع يشبه الإقامة الجبرية.

على عكس منير الخبير الاقتصادي الذي طلب عدم الكشف عن هويته الحقيقيّة خوفا من تداعيات ذلك على وضعه، فإنّ شيماء عيسى استقبلتنا في بيتها الكائن بمنطقة حيّ النصر من محافظة أريانة.

تتحدّث عيسى عن وضعها الحالي قائلة:

أيّ شيء يمكن أن أثبت به ذاتي أنا ممنوعة منه الآن. منعت من حقّي في التواصل مع التونسيين في المظاهرات وفي الفضاءات المدنيّة مثل الإعلام. من الذي سيتجاسر على تشغيلي وأنا الملاحقة قضائيا وأمنيا؟. أنا الآن أعيش في ظلّ إقامة جبرية مقنّعة وحتّى سيارتي التي كنت امتلكها أفتكّت منّي لأنيّ أصبحت عاجزة عن خلاص القرض”.

منذ مغادرتها السجن حيث بقيت مقيّدة على ذمة قضّية التآمر على أمن الدولة، تواجه شيماء عيسى تهما أخرى على خلفية تصريحات إذاعيّة أدلت بها في حوار إعلامي على موجات إذاعة ابتسامة أف أم قبل ايقافها في شهر فيفري/ شباط في سنة 2023.

وقد مثلت أمام القضاء العسكري 3 مرّات آخرها في نهاية العام 2023 حيث صدر ضدّها حكم يقضي بسجنها سنة مع تأجيل التنفيذ على خلفية جملة من الاتهامات الخطيرة كإرتكاب جرائم “التحريض ضد العسكريين على عدم طاعة الأمر وإتيان أمر موحش ضدّ رئيس الدولة وترويج أخبار زائفة وإشاعات كاذبة بهدف الإضرار بالأمن العام والدفاع الوطني”.

تقول شيماء عيسى في حديثها لموقع الكتيبة إنّها لا تعرف لماذا تمّ ايقافها قبل أن يتمّ اطلاق سراحها، معتبرة أنّ التهم التي وُجّهت لها صحبة رفاقها في قضيّة التآمر على أمن الدولة لو يتمّ عرضها على أي شخص حتّى من غير المختصين في القانون فسيقول عنها انّها غير ثابتة وغير إجرامية باعتبارها تتعلّق بحريّة التعبير والتنظّم وممارسة النشاط السياسي والمدني، وفق قولها.

أنا ورفاقي شخصيات معروفة ننشط في وضح النهار. ننشط في المعارضة وما يختلج صدورنا نصّرح به علنا في الإعلام. إنّ الدولة تريد تغييبنا ولو كان بيدها لغيبتنا بطرق أخرى غير السجن والهرسلة. للأسف بلدنا بصدد العودة إلى صفوف البلدان المتخلّفة حقوقيّا. التهم الموجهة إلينا ليست موجودة سوى في متن الأوراق التي قرأ منها القاضي هذه الاتهامات.

شيماء عيسى

تعتبر شيماء عيسى أنّها من خلال الوضع الحالي الذي فُرض عليها أصبحت ممنوعة من الحياة، وفق تعبيرها، مفيدة بأنّ عناصر من الشرطة كانوا قد قاموا مؤخرا بإعلامها بأنّها ممنوعة من المشاركة في مظاهرة داعمة للقضيّة الفلسطنيّة بقرار من وكيل الجمهورية. كما تؤكد أنّ ذلك قد أثّر على حياتها الشخصية وهو ما حصل لها حين زيارتها للطبيبة التي أعربت لها عن خوفها من أن تكون من خلال استقبالها كمريضة قد خالفت القانون، وهو ما تكرّر أيضا حين ذهابها لمركز التجميل في المنطقة التي تقطن بها حيث كانت صاحبة المحلّ تخشى قدوم الشرطة، وفق قولها.

تنحدر شيماء عيسى من عائلة مسيّسة حيث سبق أن سجن والدها في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي مدّة 8 سنوات، مشدّدة على أنّها خلال المرات القليلة التي تمكّنت فيها من مغادرة منزلها أستقبلت بالأحضان من عموم الناس على عكس الخطاب الرسمي الذي يصفها بـ”الخائنة” التي “باعت ضميرها إلى الخارج”، ساخرة من اتهامها رفقة المتهمين معها في نفس القضيّة بالإرهابيين و”الخونة الذين ساهموا في إفلاس البلاد” لا لشيء الّا لأنّهم يعارضون توجهات السلطة الحالية، وفق قولها.
فهل أن وضعية المجتمع المدني وحرية الصحافة في تونس في عهد الرئيس قيس سعيد أفضل من الحال الذي بات عليه وضع حرية التنظم والعمل السياسي؟

المرسوم 54: سيف السلطة المسلّط على رقاب النشطاء

على الرغم من الانتقادات والتحفظات التي يواجهها المرسوم 54 منذ صدوره في شهر سبتمبر/ أيلول من سنة 2022، فإنّ السلطات التونسيّة تمضي قدما في تطبيقه بشكل وصف بالتعسفي.

تفيد الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان بأنّها قد أحصت إلى حدود نهاية سنة 2023 قرابة 300 حالة ملاحقة قضائيّة على خلفية المرسوم الآنف ذكره. وترجّح أن يكون الرقم أكبر على اعتبار امكانية وجود حالات ليس لها علم بها ولم يتسنّ للمتضررين الوصول إلى الإعلام أو لمنظمات مدنيّة للإبلاغ عنها.

وتقول وزارة العدل، في إطار ردّها على مطلب نفاذ للمعلومة كان قد توجّه به موقع الكتيبة إليها حول الاحصائيات الرسميّة، بأنّ التفقديّة العامة بالوزارة ليست لها معطيات في النظام الإحصائي حول عدد القضايا المنشورة في المحاكم التونسيّة على معنى المرسوم 54 لسنة 2022.

تؤكد مسؤولة وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنيّة للصحفيين التونسيين خولة شبّح في مقابلة مع موقع الكتيبة بأنّ من بين 31 ملاحقة قضائية طالت صحفيين.ـات في سنة 2023، تمّ تسجيل نزوع متنام نحو التضييق على النشر في الفضاء الرقمي.

فقد سجّلت النقابة بحسب المتحدثة ذاتها، 16 قضيّة رفعت ضدّ صحفيين.ـات على معنى النشر في الأنترنت من بينها 8 حالات بناء على المرسوم 54.

وتشدّد شبّح على أنّ مشهد الحريات الصحفيّة تغيّر تماما بعد 25 جويلية/ تمّوز 2021، حيث لاحظت وحدة الرصد بالنقابة ارتفاعا ملحوظا في أعداد الاعتداءات التي طالت صحفيين.ـات مقارنة بتقارير سابقة.
وتبيّن أنّ طبيعة هذه الاعتداءات التي تمسّ من جوهر حريّة الصحافة والتعبير قد اختلفت حيث سجّلت النقابة صدور 8 قرارات وأحكام في سنة 2023 سالبة للحريّة، فضلا عن سجن 3 صحفيين وهم زياد الهاني وياسين الرمضاني وشذى مبارك، بالإضافة إلى تفعيل بطاقة إيداع في السجن صادرة في وقت سابق في حقّ الصحفي خليفة القاسمي مراسل إذاعة موزاييك أف أم على خلفية محاكمة على معنى قانون الإرهاب عليه فيها بـ 5 سنوات سجنا، واصفة العقوبة التي يقضيها القاسمي بالأقسى في تاريخ الصحافة التونسيّة.

كانت النقابة الوطنيّة للصحفيين التونسيين قد وثّقت 4 حالات احتفاظ بصحفيين.ـات بإذن من وكيل الجمهوريّة، بالإضافة إلى بروز محاكمات خارج المرسوم 115 الذي ينظم قطاع الصحافة في تونس مثل استعمال السلطة لقانون مكافحة الإرهاب ومجلّة الاتصالات والمجلّة الجزائية وقانون المعطيات الشخصيّة.

ووفقا لخولة شبّح، فإنّ ملاحقة الصحفيين.ـات على خلفية المرسوم 54 انطلقت منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2022 حيث كانوا أوّل من طبّق عليهم هذا النصّ، مفيدة بأنّ أغلب الشكاوى كانت من جهات رسميّة على غرار وزيرة العدل ليلى جفّال ووزير الشؤون الدينية ابراهيم الشائبي ووزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين.

وتبيّن المتحدثة ذاتها أنّ المرسوم 54 خلق نوعا من الرقابة الذاتية على الصحفيين.ـات لاسيما وأنّ الفصل 24 منه مكنّ الموظفين العموميين والمسؤولين في الدولة من حصانة مضاعفة ضدّ النقد وهو ما يتناقض مع المعايير الدولية في مجال حريّة الصحافة.

وتؤكد شبّح أنّ الملاحقات التي طالت الصحفيين.ـات بناء على المرسوم 54 توقّفت في العديد من الحالات في الطور القضائي الابتدائي ما يعني أنّ هؤلاء سيبقون مقيدين على ذمة القضيّة وهو ما سيؤثر على عملهم الذي أصبح تحت هاجس المحاكمة.

وتذكّر المسؤولة في وحدة الرصد بنقابة الصحفيين التونسيين أنّ المشهد الإعلامي التونسي شهد بعد 25 جويلية/ تمّوز 2021، ملاحقة صحفيين.ـات أمام القضاء العسكري على غرار الصحفيين عامر عيّاد وصالح عطيّة اللذين قضيا عقوبات سجنيّة خارج المرسوم 115 بسبب إحالتهما على قضاء خاص وهو المحكمة العسكريّة، معتبرة أنّ “كلّ هذا يمثّل نقطة تراجع في مسار الحريّات الصحفيّة بعد الثورة في 2011”.

فضلا عن ذلك، تؤكد خولة شبّح تواتر الإشكاليات المتعلقة بالحصول على المعلومات من خلال المناشير الداخلية على غرار المنشور عدد 19 الذي أصدرته رئاسة الحكومة لمنع المسؤولين من الادلاء بتصريحات وتقديم معلومات للصحفيين إلاّ من خلال إجراءات تقييديّة معقّدة، واصفة هذا القرار بأنّه يشكّل “عوائق غير مشروعة” في علاقة بالحقّ في النفاذ إلى المعلومات والحصول عليها.

وتوضّح شبّح بأنّ الاعتداءات ذات العلاقة بالحصول على المعلومة مثّلت 70 بالمائة من جملة الاعتداءات التي رصدتها النقابة في سنة 2023 وأنّ 67 بالمائة من هذه الاعتداءات مسؤولة عنها الجهات الرسميّة.

تشبّه أستاذة القانون بالجامعة التونسيّة والناشطة الحقوقيّة حفيظة شقير الفصل 24 من المرسوم 54 بسيف “ديموقليس” المسلط على رقاب كلّ صوت معارض للسلطة الحاليّة، واصفة إياه بـ “غير الدستوري” و”غير المحترم لالتزامات تونس الدوليّة”.
وترى شقير أنّ هذا المرسوم يتناقض مع الفصل 55 من دستور 2022، فضلا عن كونه يتعارض مع المادّة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، وهو بالتالي يمثّل اعتداء على حقوق الإنسان ومخالفة للدستور الذي وضعه الرئيس قيس سعيّد بنفسه وأحكام الاتفاقيات الدوليّة والاقليميّة الملزمة للدولة التونسيّة، وفق قولها.

المرسوم 54 غير دستوري والسلطة الحاكمة تعتمده لترهيب الأصوات المناوئة لتوجهات الحكومة ورئيس الجمهورية. يجب إلغاؤه من قبل مجلس نواب الشعب وتعويضه بقانون جديد يضمن حريّة التعبير وبقيّة الحريّات وحقوق الإنسان وفق المرجعيات الدوليّة والمحليّة.

حفيظة شقير أستاذة القانون العام بالجامعة التونسيّة

وعلى الرغم من تصريحات سابقة لنواب في البرلمان الجديد على غرار عبد الرزاق عويدات رئيس كتلة الخطّ الوطني السيادي و هالة جاب الله رئيسة لجنة الحقوق والحريّات بمجلس نواب الشعب عبّروا فيها عن قلقهم من تداعيات تطبيق المرسوم 54 ، مقرّين بوجود إشكاليات وتجاوزات وجب معالجتها تشريعيّا من خلال ادخال تنقيحات أو عبر مبادرة تشريعيّة جديدة، فإنّ هذا النصّ القانوني القامع للحريات عموما والخانق للفضاء المدني الرقمي بشكل خاص مازال يجرّ الصحفيين.ـات والمواطنين.ـات إلى المحاكم والسجون على حدّ سواء.

من تطويع القضاء إلى استهداف المجتمع المدني

أمام انسداد الأفق السياسي والحقوقي في تونس بعد انفراد الرئيس قيس سعيّد بمقاليد الحكم، فضّلت العديد من الشخصيات المعروفة في المجتمع المدني وعالم المال والأعمال والحياة السياسيّة مغادرة البلاد وعدم العودة إليها خوفا من الأذى الذي قد يلحقها.

من بين هذه الشخصيات المناضلة الحقوقيّة بشرى بلحاج حميدة الرئيسة الشرفية لجمعية النساء الديمقراطيات والنائب في البرلمان بين 2014 و2019 التي ترأست أيضا في وقت سابق لجنة الحريّات الفردية والمساواة في تونس التي كلفت من قبل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بإعداد تقرير يمهّد لإرساء قانون جديد للحريات، فضلا عن معالجة مسألة المساواة في الإرث، والتي تمّ الزجّ باسمها في قضيّة التآمر على أمن الدولة بسبب محادثات خاصة مع أصدقاء لها على غرار شيماء عيسى.

يصف رئيس الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان بسّام الطريفي وضع الفضاء المدني في تونس اليوم بـ”المخيف”، معتبرا أنّ جميع التونسيين.ـات من المواطن العادي إلى الزعيم السياسي والناشط المدني والحقوقي، جميعهم معرضون للاعتقال والسجن في أيّ لحظة.

ويضيف الطريفي قائلا:

القضاء اليوم يعمل تحت وطأة الخوف والترهيب، لهذا تجد العديد من الشخصيات وليس بشرى بلحاج حميدة فقط، نفسها مضطرة لأن تكون مهجّرة قسريا وذلك رغم كلّ ما قدمته للحركة الحقوقية والديمقراطية. هؤلاء يعلمون جيّدا أنّهم في حال عادوا سيتمّ ايقافهم والتنكيل بهم. عدد المهجّرين قسريا يقدّر بالعشرات ومن بينهم رجال أعمال وسياسيون وحتّى صحفيون وحقوقيون.

يحذّر المحامي الرابطي بسّام الطريفي، أيضا، من خطورة تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالتوازي مع الوضع الحقوقي والسياسي، مشدّدا على أنّ المناخ الحالي لا يسمح بإجراء انتخابات ديمقراطية حيث “لا يمكن للمواطن أن يعبّر عن رأيه بحريّة”، معتبرا أنّ السلطة السياسيّة الحاكمة “ليست مفصولة عن الواقع كما يسوّق لذلك البعض فهي تعلم -وعلى وجه خاص وزارات العدل والداخلية والشؤون الاجتماعيّة- دقائق الأمور”، وفق قوله.

بتاريخ 10 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، قامت النائب في البرلمان الجديد المساندة لسياسات الرئيس سعيّد، فاطمة المسدي رفقة عدد آخر من النواب بإيداع مبادرة تشريعيّة رأت فيها منظمات وجمعيات وطنيّة في تونس “خطرا داهما” على حريّة وإستقلاليّة المجتمع المدني.

وتهدف هذه المبادرة إلى إلغاء المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المنظم لعمل المجتمع المدني في تونس منذ الثورة والذي يوصف بالتحرّري و المنسجم مع المعايير الدوليّة، وتعويضه بقانون أساسي يتضمنّ جملة من الإجراءات التضييقيّة التي من شأنها أن تضرب النسيج الجمعياتي والمدني، بحسب المعارضين لهذا التوجه.

تنصّ هذه المبادرة على تجريم قبول المساعدات أو التبرعات أو الهبات الصادرة عن دول لا تجمعها بتونس علاقات دبلوماسيّة أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلك الدول.

كما تعتبر هذه المبادرة التشريعيّة أنّ كلّ جمعيّة وطنيّة تتبع حسب نوعيّة نشاطها الوزارة المختصة للإشراف والرقابة على أنشطتها، في حين تختصّ الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية بالترخيص لإنشاء فروع للمنظمات الأجنبيّة حيث تنظّم آلية الترخيص وإعلان هذه الفروع نفس الوزارة بما لا يتعارض مع روح ونصّ القانون والاتفاقيات الدوليّة ذات الصلة.

فضلا عن ذلك، تنصّ هذه المبادرة على منع التمويل الأجنبي للجمعيات الوطنيّة دون موافقة مسبقة من رئاسة الحكومة، ما يعني أنّها ستصبح في تبعية للسلطة التنفيذيّة التي تتحكّم في سلطة القرار التقديري حسب مزاجها ودرجة الموالاة السياسيّة لها، وفقا لخبراء مستقلّين في المجال من بينهم أستاذ القانون العام بالجامعة التونسيّة أيمن الزغدودي الذي تسنّى لموقع الكتيبة التواصل معه.

وتشدّد ذات المبادرة على أنّه يمكن للسلطة التنفيذيّة أن تمنح رخصا للجمعيات الأجنبيّة بصفة مؤقتة أو يقع تجديدها دوريّا كما يمكن سحبها في كلّ وقت بقرار.
في الحقيقة، لا تختلف مبادرة النائب فاطمة المسدي جوهريّا عن مبادرة تشريعيّة أخرى خاصة بالجمعيات تمّ تسريبها من رئاسة الحكومة التونسيّة حيث بدورها تعتمد نفس المنهج الذي يضيّق على حريّة التنظّم و العمل الجمعياتي والمدني.

وكان الرئيس قيس سعيّد قد دعا خلال اجتماعه برئيس الحكومة أحمد الحشاني ووزيرة الماليّة سهام البوغديري نمصيّة ووزيرة العدل ليلى جفّال في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من سنة 2023، إلى وضع حدّ لظاهرة التمويل الأجنبي للجمعيات، معتبرا أنّ ذلك يمثّل مدخلا لاختراق الدولة التونسيّة عبر الجمعيات التي تتدثّر بعباءة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفق تقديره.

يقول أستاذ القانون العام بالجامعة التونسيّة أيمن الزغدودي تعليقا منه على هذا التوجه السياسي والتشريعي :” إنّ هذا الأمر مخالف للمعايير الدوليّة المتصلّة لحريّة الجمعيات والتقارير الصادرة عن المقرّر الخاص لدى الأمم المتحدّة المعني بتعزيز الحقّ في حريّة الجمعيات”.

يؤكد بسام الطريفي أنّ الحلّ لا يكمن في التخوين والقمع، منبّها من خطورة الإرادة السياسية للسلطة الحالية التي تهدف إلى إنهاء دور الأجسام والوسيطة لاسيما من خلال مشروع وضع قانون جديد للجمعيات بدلا عن المرسوم 88 لسنة 2011 بغية التضييق على عمل العمل الجمعياتي في الفضاء المدني الذي بات بمثابة سجن كبير، على حدّ وصفه.

ويتضمنّ قانون الجمعيات المرتقب، بحسب الطريفي، إجراءات تمسّ من حريّة تكوين الجمعيات وتسهيل عملية حلّ الجمعيات ومقاضاتها وإخضاع التمويل إلى رقابة مسبقة من الدولة التي يمكنها منع ذلك دون تقديم أي تبرير، فضلا عن خطورة رفع قضايا بشكل استعجالي ضدّ أي جمعية وهو الأمر الذي وصفه بالخطير.

لقد تمّ خنق الفضاء المدني منذ 25 جويلية 2021. ومشروع قانون الجمعيات الجديد يهدف الى إنهاء المجتمع المدني من خلال إلغاء المرسوم 88 الذي يعتبر مكسبا من مكاسب الثورة كما هو الحال بالنسبة الى المرسوم 115 المنظّم لحريّة الصحافة.

بسّام الطريفي رئيس رابطة حقوق الإنسان

ويعتبر محدثنا أنّ في تونس اليوم هناك العديد ممن وصفهم بالمعتقلين السياسيين الذين يتعرّضون إلى مظلمة كبيرة على غرار عبير موسي وغازي الشواشي ورضا بالحاج وجوهر بن مبارك وعبد الحميد الجلاصي وغيرهم، مبرزا أنّ “القضاء يشتغل تحت طائلة الخوف والترهيب حيث أنّ كلّ قاض يتخذ قرارا لا ينحو المنحى الذي تريده السلطة السياسيّة يجد نفسه معفى أو مبعدا بمقتضى الحركة القضائيّة التي تمّ خلالها نقل قضاة معروفين بنشاطهم صلب جمعية القضاة إلى مناطق بعيدة”.

ويخلص المحامي ورئيس الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان بسّام الطريفي إلى أنّه “لا يمكن الحديث في الوضع الحالي عن مرفق قضائي على اعتبار أنّ القضاء لا يردّ العدالة إلى أصحابها”، مشدّدا على أنّ “القضاء اليوم ليس مستقلاّ فهو يتجه نحو ما تريده السلطة السياسيّة”، مذكرا بقضيّة القضاة المعزولين بقرار من رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذين تحصلوا على حكم من المحكمة الإدارية يقضي بإعادتهم إلى مناصبهم ، بيد أنّ وزارة العدل لم تنفذ ذلك وهو مؤشر خطير جدا، وفق تعبيره.

في شهر فيفري / شباط من سنة 2022، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد المرسوم الرئاسي عدد 11 الذي قام بمقتضاه بحلّ المجلس الأعلى للقضاء المنتخب ديمقراطيا قبل أن يقوم لاحقا باستبداله بمجلس جديد معيّن أسماه المجلس الأعلى المؤقت للقضاة.

بعد ذلك، وفي شهر جوان/ يونيو 2022، أقدم الرئيس سعيّد على عزل 57 قاضيا دون احترام لحقّ الدفاع، متّهما إياهم بالفساد والتستر على الإرهاب كما نسب لهم جرائم شتّى من بينها تهمة الزنا لإحدى القاضيات، زاعما أنّ هذه الخطوة تأتي في إطار “تطهير” الجهاز القضائي.

وعلى الرغم من إصدار القضاء الإداري التونسي قرارا يقضي بإيقاف تنفيذ العزل لصالح 49 قاض من إجمالي القضاة المعزولين ما يعني السماح لهم بالعودة إلى ممارسة وظائفهم بسبب ما تمّ تسجيله من “خروقات” في ملف الإعفاء الصادر عن رئيس الجمهورية، إلاّ أنّ السلطة التنفيذية امتنعت عن تنفيذ قرار المحكمة الإدارية خلال الحركة القضائية التي صدرت في صائفة سنة 2023.

من المهم الإشارة إلى أنّ حوالي 40 قاض من بين القضاة المعزولين المشار إليهم تقدموا للترسيم في المحاماة بما يكفله القانون منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 ، بيد أنّه لم يتمّ البتّ في ملفاتهم إلى حدّ الآن من قبل الهيئة الوطنيّة للمحامين لـ”أسباب سياسيّة خوفا من تداعيات ذلك في علاقة برئيس الجمهوريّة”، وفق ما صرّح به عدد منهم لموقع الكتيبة وذلك على الرغم من استيفاء كلّ الاجراءات.

قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في تونس نهاية العام 2024، تتّجه منظومة الحكم نحو مزيد الانغلاق والهروب إلى الأمام رغم قتامة جميع المؤشرات. فهل ينجح المجتمع المدني الذي يعدّ آخر معاقل الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان في صدّ المشروع السلطوي للرئيس قيس سعيد؟

كلمة الكتيبة:

يعري هذا التحقيق المعزز بالبيانات ، الوضع المتردي لحقوق الإنسان في تونس اثر انفراد الرئيس قيس سعيد بمقاليد الحكم في صائفة 2021 واقدامه على حل البرلمان المنتخب والمجلس الأعلى للقضاء ، مستعملا في ذلك ترسانة من المراسيم التي قام بسنها بشكل أحادي في غياب المحكمة الدستورية. كما يبرز التحقيق الانتهاكات التي طالت الحريات العامة و الفردية و استقلالية السلطة القضائية تحت غطاء مكافحة الأخبار الزائفة ومحاربة الفساد وذلك في ظل غياب مقومات المحاكمة العادلة، مبينا تراجع المكاسب الديمقراطية التي تحققت بفعل الثورة التونسية في سنة 2011 وانزلاق البلاد نحو نظام سلطوي بوليسي من جديد.

كلمة الكتيبة:

يعري هذا التحقيق المعزز بالبيانات ، الوضع المتردي لحقوق الإنسان في تونس اثر انفراد الرئيس قيس سعيد بمقاليد الحكم في صائفة 2021 واقدامه على حل البرلمان المنتخب والمجلس الأعلى للقضاء ، مستعملا في ذلك ترسانة من المراسيم التي قام بسنها بشكل أحادي في غياب المحكمة الدستورية. كما يبرز التحقيق الانتهاكات التي طالت الحريات العامة و الفردية و استقلالية السلطة القضائية تحت غطاء مكافحة الأخبار الزائفة ومحاربة الفساد وذلك في ظل غياب مقومات المحاكمة العادلة، مبينا تراجع المكاسب الديمقراطية التي تحققت بفعل الثورة التونسية في سنة 2011 وانزلاق البلاد نحو نظام سلطوي بوليسي من جديد.

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

تدقيق: وليد الماجري
مونتاج: رأفت عبدلي
تصوير: محمد علي منصالي
غرافيك: منال بن رجب
تطوير تقني : بلال الشارني
غرافيك : منال بن رجب
تطوير تقني : بلال الشارني
تدقيق : وليد الماجري
تصوير : محمد علي منصالي
مونتاج : رأفت عبدلي

الكاتب : محمد اليوسفي

رئيس تحرير القسم العربي بموقع الكتيبة

cropped-med00-1.png